الأربعاء، 21 أكتوبر 2015

تشبيه أئمة الدين بالكفار ، ورمي مذاهب أهل الحق ، وبالمقابل تسويق لباطل الفلسفة

تستمر جريدة الرياض وهي أعلى منبر صحفي في بلد التوحيد ، في محاربة أئمة الدين والتهوين من شأنهم و الرفع من شأن الفلاسفة
في عدد يوم الخميس 9 محرم 1437 نشرت مقالا بتوقيع ابراهيم المطرودي استمرارا لمقاله الماضي
مما جاء في المقال :
يقول : أنتقد الأمة – أي الأمة الإسلامية – لأنها تجعل الرموز –يقصد أئمة الدين – يبتزون الأفراد ليكونوا عبيدا .
ثم قال : إن هؤلاء الرموز – يقصد أئمة الدين – مثل الكفرة الذي هم الملأ المذكور في القرآن
ثم قال : إن جميع الفرق الثلاث والسبعين – ولم يستثن منها واحدة – تحْرم الناس من التفكير ، وأنها أشد من كفار قريش !
ثم قال : إن المذهبيات – أي مذاهب أئمة الدين – هي ككفار قريش . وكالملأ المذكورين في القرآن !
ثم انتقد الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة وقال إنه إجهاض للعقل
ثم ينتقد المذاهب لأنها تحذر من الفلاسفة
ثم يطالب بقراءة ما خلفه الفلاسفة وترك ما أسماه الوصاية على الناس !
نص المقال :

خطاب الغزالي والتحولات الثقافية / ابراهيم المطرودي
لم يكن ما قام به الغزالي من محاربة الفلاسفة، وإجهاض مشروع العقل في تأريخ المسلمين سوى نتيجة متوقعة للعصر الذي عاش فيه، وهو القرن الخامس وبداية السادس (ت 505 ه)، وما بعده من القرون؛ إذ اتجه المسلمون إلى التقليد، ومذهبة الآراء في العقيدة والفقه وغيرهما،
ابتدأت الترجمة لعلوم اليونان في زمن متقدم، القرن الثاني تقريباً، واستمرّ المسلمون يقرؤون تراث اليونان، وتراث فلاسفتها، ولم يخطر في بال أحد من المتكلمين، أو من غيرهم من علماء الإسلام في تلك الحقبة، أن يُؤلف كتابا يُكَفّر به الفلاسفة، هكذا جملة، وينسب فيه إليهم التهافت؛ كما فعل أبو حامد الغزالي الذي جاء في منتصف القرن الخامس، فهل أخطأ أولئك، وأصاب أبو حامد أو ذاك شيء من صنيع التحولات والظروف التي تُحيط بالإنسان، وتُجبره لأن يعيش وفقها، ويُفكّر في ضوئها؟
الأفراد في تأريخ الثقافة قديما، وتأريخ الأمم، يشبهون إلى حد كبير المفردات داخل النص اللغوي؛ مهما حاول هؤلاء أن يجنحوا عن سياق النص، ويستقلوا عنه، فمصيرهم الطرد، والتغريد بعيدا عن السرب، وهذا الطرد يكون بطريقتين؛ الأولى أن تقام المحاكمات لهم، وتُحرق كتبهم، وتحارب أقوالهم، والثانية أن يُهمل الأفراد، ويُصرف الناس عن كتبهم، ويُحرّم عليهم الاطلاع على أقوالهم، وهذه وتلك لم تكن للغزالي في خطابه عن الفلاسفة، فالعصر تقبله، وفرح به، وشكر عليه، وربما كان له دور كبير في التغاضي عن عيوبه، والصدود عن أخطائه، وهذا الموقف العصري، في عصر كانت الأمة تسير فيه إلى إحكام أبواب التقليد على نفسها، وتُجهز لعقلها أكفان الغياب، يطرح علينا سؤالا مهما هو:
أكان القبول بخطاب الرجل تجاه الفلاسفة لما فيه من صواب وحقيقة أم لأنه كان يتحدث بلسان العصر، وينتمي إليه؟
أكان خطاب الغزالي حول الفلاسفة يُواجه الجماهير بشيء يكرهونه، ويسري في دمائهم البعد عنه، أم كان يُعيد لحنا محبوبا، ويُغذي توجها بدأت سيادته منذ مدة، واستحكم تفرده في تأريخ المسلمين وعقولهم؟
لقد كان العصر يتوقع ذلكم الموقف، وينتظره، ويتلهّف لمن يختم بخاتم المذهبيات على عقول المسلمين، ويُنهي رحلة البحث، وحيرة السؤال، التي كان الغزالي قام بها، وتنكّر لها بعد ذلك، وسعى لحرمان الناس منها، والوصاية عليهم في أمرها، ولستُ ألوم الغزالي وحده على سريان خطابه ذاك، وتسرّبه إلى العقول، وأذر المسلمين الذين رهنوا مستقبلهم، ومستقبل عقولهم، بما قاله؛ فعليهم تقع المسؤولية، ويُناط بهم أمرها، وإذا كان الله تعالى يلوم في كتابه الفرد على غياب عقله، وخفاء فطنته، ويجعله مسؤولا عن نفسه، ولا يقبل منه أن يحتج بإضلال فلان له أو فلان، فلي الحق أن ألوم جمهورا، وأنتقد أمة؛ فالأمة التي لا تدافع عن حق أفرادها في التفكير، وتبخل بحقهم فيه، وترى أنّ من خسران المرء أن يُنصت لعقله، ويستجيب لملكة التفكير فيه؛ لا شكّ أنها أمة، مهما حاولت الدفاع عن نفسها، وتباهت بماضيها، تُعدّ هؤلاء الأفراد لابتزاز الرموز، وتريد لهم أن يكونوا عبيدا بين يديها، وتُصيّر الأمة من جمهور عريض، يُصحح بعضه لبعض، ويقف بعضه في طريق بعض، إلى مجموعة من الرموز تقود الأمة، وتأخذ هذا الجمهور، حيث أرادت، وأتاحت لها فِطنها، وتصبح هذه الرموز شبيهة بالملأ الذي حدّثنا القرآن الكريم عنه في مواضع كثيرة منه، وحذرنا من الانسياق الأعمى وراءه، وأرشدنا إلى بوابة الخروج من خطورة هيمنته، ووهبنا، لو تأملنا، مفتاح النجاة منه، فجعل كل إنسان مُوثقا بعمله، ومن عمله تفكيره، (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه، ونُخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا!. من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها، ولا تزر وازرة وزر أخرى).
ولعلكم تسمحون لي بالقول: إن الملأ كان زمن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قريشا ورجالها الذين ناهضوا الدعوة، وآذوا صاحبها، واجتمعوا على التضييق عليه، وطرده أخيرا من مكة، وأصبح الملأ بعد ذلك في تأريخ الإسلام ثلاثا وسبعين فرقة، كلها تجتمع على شيء واحد، وتتفق عليه، وهو حرمان أفرادها من التفكير، وتحذيرهم من الخروج عمّا هي عليه، واتخذت في تأدية رسالة الملأ، على أحسن وجه، طرقا لم تكن تخطر لقريش ورجالها في تلك الأزمان، وأظن كل مسلم لو قام برحلة في المذهبيات، كرحلة الأستاذ الغزالي، لأدرك أنّها صورة أخرى من صور الملأ الذي حدّثنا عنه القرآن الكريم، ودعانا إلى تجنب الانخداع له، وحثنا على الحذر من الاستئسار له.
يُخيّل إليّ حين ترد بين عيني كلمة الملأ في كتاب الله تعالى أنّ تأريخنا الإسلامي، معظمه وأكثره، كان محكوما بهذا المفهوم، وممسكا بهذه الثقافة، وأننا لم نستطع أن نتخلّص تماما من تلك الآفة التي بسط الله تعالى لنا التحذير منها في كتابه، ولم نتخذ التدابير اللازمة في منع عودتها، وتنامي دورها من جديد، وكانت المسؤولية الأولى في تفادي رجوعها، وعودتها إلى أمتنا، مُعلّقة آمالنا فيها على رجال الدين، وأولئك الرموز الذين كان لهم دور تأريخي كبير، ومنهم أبو حامد الغزالي، رحمه الله رحمة واسعة، غير أن الرجل أتى في أمر الفلاسفة بما لم أتوقعه منه، ولم أنتظر أن يقوله، وأحسبه كان ينطق بلسان الملأ الذي حُذرت منه، وطُلب إليّ أن أتبيّن في كل أمر يقوله؛ فأنا في النهاية المسؤول، وليس هو، وهذا شيء سيكشف عنه، إن شاء الله، مقال "الغزالي وتهافته" القادم.
لولا كبار الناس الذين يسيرون مع التيارات المخالفة للحق والصواب، والمجهضة للتفكير وعمل العقل، والموقفة للبحث بهما عنه، ما كان لهذه التيارات من قوة وعنفوان وتأثير كبير، وتلك كانت قصة الغزالي في رأيي فهو مؤسس من المؤسسين، غير أنّه في خطابه عن الفلاسفة أسس للوعي الجماهيري الذي كان يُحذّر منه، ويُنبّه الناس من الاغترار به؛ إذ تولى بكتابه الترسيخ لذلكم الخطاب المذهبي الذي يرهن قيمة الإنسان، ويجعل معيار الانتفاع منه، والاستفادة من جهوده، موكولا إلى خلوصه من الأخطاء، ونجاته منها.
إن الخطأ لا يمكن أن يذيع، والصواب لا يُظن به أن ينتشر، إلا على يدي أناس لهم تأثير كبير، وعمل جبار في تشكيل الذهنية، وقيادة الناس، ولو كان الخطأ، وأهم أنواعه إقصاء العقل وتغييبه، لا يجد من ينصره، ويتولى الدفاع عنه، والوقوف معه؛ لما كان له أن ينتشر، ويفشو، وينزرع في الذهن الجمعي، ولظلت الأمم تحارب الخدّاعين، وتجد من يعينها على ذلك، بيد أن التأريخ جرى على خلاف هذا الأمل، وتقلبت أيامه بخلاف هذه الأحلام، وهذا ما يجعل الناس، في كل عصر ومصر، مضطرين في مكافحة الأخطاء إلى مواجهة الرموز، ونقد آثارهم، وكشفها للناس، ولعلّ من هذا ما أكتبه الآن وبعد الآن عن أبي حامد الغزالي وتهافته.
لم يكن ما قام به الغزالي من محاربة الفلاسفة، وإجهاض مشروع العقل في تأريخ المسلمين سوى نتيجة متوقعة للعصر الذي عاش فيه، وهو القرن الخامس وبداية السادس (ت 505 ه)، وما بعده من القرون؛ إذ اتجه المسلمون إلى التقليد، ومذهبة الآراء في العقيدة والفقه وغيرهما، وصارت كل طائفة لا تقرأ لغير أهلها، ولا تنتفع بما عند غيرها، فلم يكن مستغرباً من حيث النظر إلى عصر الغزالي أن يخرج عالم من علماء المسلمين يحذر من الفلاسفة، ويُذكّر بآرائهم الدينية، ويجعلها حجته في إدانتهم، والتخويف من الاطلاع على تراثهم، فتلك كانت بضاعة المذهبية الرائجة في ذلكم العصر، بل المستغرب أن يخرج أحد ويعطي العقل حقه، ويدعو إلى قراءة ما خلفه الفلاسفة، ويذر الخوف على الناس، والوصاية عليهم، جانباً.
رابط المقال http://www.alriyadh.com/1093352


التسميات: ,