الخميس، 4 فبراير 2016

الدعوة لليبرالية !! وجعل الخير منها ! وتجاهل الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم
ظهرت دعوة تضاد الإسلام في قعر بلادنا وعلى أعلى منابرنا الصحفية وبلا خوف ، إذ يدعون الناس إلى الليبرالية .
من ذلك نشرت صحيفة الرياض يوم الخميس  25 ربيع الآخر 1437 مقالا بعنوان ( الليبرالية والرهان على الجمهور التقليدي )  بقلم المدعو محمد المحمود
يقول الكاتب ما يلي :
·      يتوهم البعض أن الليبرالية لم تنجز شيئا ذا بال .
·      كل التحولات في العالم من حرية وحقوق إنما هي من الليبرالية .
وهذا كلام كفري إذ هو صراحة يتجاهل الشرع والدين ويجعل الليبرالية هي صاحبة الحقوق والخير للناس .
·      ثم يبين الخطوات التي يصبح فيها الإنسان ليبراليا .
·      ثم يصف من ينتقدون الليبرالية بأنهم فاشلون وأنهم في مضمار نفاقي .
·      ثم يتباكى لأن الليبرالية ليس لها جمهور.
·      ثم يقول : إن عزاء الليبرالية في ذلك أن الأمور لصالحها .
·      ثم يقول : إن من يرفض الليبرالية بالكامل إنما هو خارج العصر !
·      ويقول : إن هناك انتصارات متوقعة لليبرالية بقوة منطق العصر.
·      وأيضا : إن الجماهير ستمنح الليبرالية خياراتها الحياتية .
·      ثم يقول : إن الليبرالية تمتلك غريزة الحياة وغريزة الحرية .
·      ثم يقول كلاما كفريا : إن الليبرالية تمتلك أهم من وهم الأيدولوجيات التقليدية
أقول : الأيدولوجيات هي العقيدة وهو يتكلم هنا من قعر بلاد التوحيد .
بينت ذلك براءة للذمة ، والله المستعان .
نص المقال :
الليبرالية والرهان على الجمهور التقليدي
تحدثت في المقال السابق عن بعض أسباب الجماهيرية التي يحظى بها الفكر الديني التقليدي، بل وكل أشكال الثقافة المجتمعية التقليدية، مقابل الانحراف/الصدود عن الفكر الحديث، وخصوصا ما يتعلق منه بالأطروحة الليبرالية الراهنة، التي يتوهم كثيرون أنها لم تنجز شيئا ذا بال، بينما هي قد أنجزت كل هذه التحولات النوعية في حياة الغرب، ومن ثم، في حياة العالم. بل إن كل الحريات، وكل الحقوق، وكل التَّشكّلات المؤسساتية التي ترعاها..إلخ، والتي لم يكن لها وجود في واقعنا من قبل، إنما أتت بقوة سيطرة النموذج الغربي المتعولم، الذي تحتذيه - بوعي وبلا وعي – أغلبية/ مجتمعات دول العالم، والذي هو نموذج ليبرالي بامتياز.

واستكمالا لما سبق؛ نشير إلى بقية الأسباب التي نختصرها بما يلي:

5
تكوين (الجمهور الليبرالي) لا يتأتّى من خلال الجمهور الخام الذي تشتغل عليه التقليدية بجهالاتها وخرافاتها، بل يحتاج الأمر لجمهور ثقافي قبل ذلك. وكما أشرت من قبل، فإن معظم عناصر الرؤية الليبرالية الأساسية ليست موروثة، وبالتالي فهي مجهولة إلى حد كبير، وغريبة إلى حد كبير.

وحتى في محاولة استنباتها في واقعنا، لا يمكن الوعي بها كعناصر مجتزأة، إذ هي مرتبطة بفلسفات متعاضدة، تنتمي إلى حيّز ثقافي مغاير في شرطه المعرفي والتاريخي. والنتيجة هنا، أنه لكي يصبح الفرد ليبراليا حقا؛ لا بد أن يأخذ مقولات الليبرالية من خلال منظوماتها السردية الكبرى، لا كسرديات مغلقة على الحقل الفلسفي الخالص الذي تخاطب العالم من خلاله، وإنما كسرديات محايثة للتحول التاريخي الذي يقف الغرب اليوم على قمة هرمه. ما يعني ضرورة الوعي بالليبرالية وبأضدادها في الواقع؛ منذ اليونان، وإلى أطروحة نهاية التاريخ.

هذا يعني أن الفرد الليبرالي الذي يتكون منه (الجمهور الليبرالي) لا بد أن يتحلى بقدر معقول من الاطلاع على ثقافة العالم المتشكل ليبراليا، متجاوزا حدود ثقافته التقليدية المحدودة.

وطبعا، يبدو من الواضح أن مثل هذا الفرد، هو منجز نوعي لا يتوفر بمحض الوجود الطبيعي للفرد في المجتمع. السائد مجتمعيا في المجتمعات التقليدية/المتخلفة هو الجهل الصريح، والجهل المظنون علماً، ومنهما تتكون الجهالة المجتمعية التي تغتال وعي الأغلبية الساحقة من الجماهير.

إن محدودية الجمهور الليبرالي ليست إلا انعكاسا لمحدودية الفئة المثقفة أصلا، أقصد: تلك الفئة التي تمتلك وعيا بأهمية الاطلاع – بوعي منفتح - على الثقافات الأخرى، مقابل التسطيح الثقافي العام، الذي هو من سمات الوعي الجماهيري السائد في العالم العربي.

6
الليبرالية - من حيث هي عقلنة للحريات الفردية؛ بالتضاد مع الشموليات – تُعارض الغرائز البدائية الجمعية. طبعا، هناك غرائز فردية، تنزع بالإنسان منزعا فرديا/ أنانيا. لكن، حديثنا هنا عن جمهور/ حشد..إلخ، وليس عن تأييد فردي. وبما أن الحال كذلك، فمن الطبيعي أن الوعي الحشدي يستجيب للطروحات الشمولية التي تخاطب وعيا جماهيريا، وتتوسل وسائل جماهيرية، وتتغيا أهدافا جماهيرية أيضا.

هنا تبرز الغرائز الجمعية التي تشتغل عليها الإيديولوجيات الشمولية، مدعومة بما أسماه جوستاف لوبون: (سيكولوجية الجماهير)، تلك الغرائز التي تتضخّم معلنة عن نفسها في مستوى الحشد الجماهيري، وتتضاءل إلى أدنى درجة في مستوى الوجود الفردي.

ولا شك أن هذه الجماهير - بكل عواطفها وأهوائها وتحيّزاتها - هي من نصيب الإيديولوجيات الشمولية التي تستخدمها في سبيل قمع كل أنواع التطلعات الفردية بشكل مباشر أو غير مباشر.

وإذا كانت الجماهير المتوفرة على شيء من الوعي العقلاني تفقد عقلانيتها في سياق التجمهر الحقيقي أو الافتراضي، كما تفقد هذه العقلانية في سياق التفاعل مع الطروحات الشمولية التي تستَفِزُّ البدائي/ الفطري فيها، فإن المجتمعات التي لا تتوفر على شيء من العقلانية، لن تفقد عقلانية غير متوفرة أصلا. إنها مجتمعات جَمَعَانِيّة، ومن ثم، فهي جماهيرية بالضرورة، ما يعني أنها ستشعل لهيب التعصب والفخر الكاذب والانتشاء المغرور بالتاريخ ..إلخ؛ لتصنع جمهورا همجيا، أو جمهورا إلى الهمجية أقرب، جمهورا غوغائيا تُحرّكه الغرائز الجمعية التي تلغي الأفراد كوقائع مُتَعيّنة في الواقع، ومن ثم، تلغي الوعي الفردي المستقل القادر على رؤية الأشياء في مدى الوجود الحقيقي: الوجود الفردي.

7
من المعلوم أن المجتمعات/ الدول العربية خرجت للوجود كدول وكمجتمعات مستقلة، نتيجة صراعات متداخلة – تفاعلياً - مع عناصر الموروث الجمعي الذي تم توظيفه في تكوين هوية هذه المجتمعات. ما يعني أن عناصر هذا الموروث الجمعي أصبحت جزءا من وعي الجماعة/ المجتمع، وجزءا – حقيقيا أو متوهما - من شرط الوجود المادي في صورته الجمعية تحديدا. وبهذا يحتاج الانتقال إلى الفرد، تحوّلا نوعيا في فهم شروط الوجود الجمعي الذي تأسست عليه هوية الجماعة أو الدولة؛ ليكون تفكيك هذه العلاقة ممكنا، دون أن يؤدي ذلك لتفكك المجتمع ذاته على مستوى الواقع أو على مستوى المخيال الجمعي.

8
من المحبط أن جماهيرية التقليديات الشمولية المضادة لليبرالية أصبحت مجالا للتربح المادي والمعنوي، من حيث هي جماهيرية تستقطب مؤيدين لها من خارج دائرة التيارات الحركية التي تشتغل عليها.

والمراد هنا أنها أصبحت جماهيرية تمنح منافعها ك (هِبَات مجانية) لمن يؤيدها، بصرف النظر عن إيمان المؤيد أو عدم إيمانه بشعاراتها المعلنة وغاياتها المستهدفة. وقد أدى هذا الاستنفاع إلى أن يتضخّم عدد المؤيدين للتقليديات الشمولية حتى من غير المقتنعين بمقولاتها الأساسية. وبالتالي، اتسع نطاق الجماهيرية، وزادت أوهامها عن نفسها، وأصبح التأييد يجر تأييدا.. وهكذا دواليك، إلى أن أصبح تأييد الجهل الجماهيري والرقص على بؤسه أكبر بوابة لمنافع الشهرة والجاه والمال.

مثلا، كثيرا ما نلاحظ كيف يتحول (الكاتب الرياضي) إلى متزمت ديني يهاجم الليبرالية بحماس بالغ، مع أنه لا يعرف عن الليبرالية شيئا!. إنه يفعل ذلك بجهل فاضح؛ لا لشيء، إلا ليحظى بتأييد الجماهيرية الواسعة التي هي جماهير الوُعّاظ التقليديين.

وكما يفعل (الكاتب الرياضي)، يفعل (الفنان الفاشل)، و(الإعلامي الفاشل)..إلخ الذين لم تنهض بهم موهبتهم لتحقيق شيء؛ فتوسلوا – بنفاق اجتماعي مفضوح – الضربَ على مشاعر وأوهام الدهماء من عموم الجماهير. وقد حققوا نجاحات جماهيرية باهرة في هذا المضمار النفاقي الخداعي المزيّف للوعي. وهي نجاحات أغرت كثيرين بدخول اللعبة النفاقية للجماهير، واستمرت النجاحات تتحقق، لا لذكاء في ممارسي لعبة الاحتيال، وإنما لغباء/ جهل جماهيري واسع النطاق، جهل يمنح هؤلاء المحتالين مكافآت فورية على ممارسة الخداع.

إن كل هذه الأسباب (ما ذكر هنا، وما ذكر في المقال السابق) قد تضافرت لجعل الليبرالية محاصرة بجماهير الجهل التقليدي. ولكن، يبقى عزاء الليبرالية أن كل التحولات التقدمية التي تنحاز لصالح المعرفة والانفتاح وتأسيس الحقوق، إنما هي – في المؤدى النهائي – لصالحها، بل والأهم، أن الأفق الإنساني لحضارة العصر هو أفق ليبرالي. فمن يرفض الليبرالية لا يستطيع رفضها بالكامل؛ وإلا أصبح خارج نطاق العصر بالكامل. وطبعا، القبول ب(بعضها) لا بد وأن يؤدي إلى القبول ب(بعضها الآخر)، إذ تتحول الشروط الواقعية إلى شروط معرفية، لا يستطيع الفكاك منها حتى أعداء الليبرالية الألداء، فضلا عن غيرهم.

وهذا ما نراه واضحا في الإذعان المتدرج للرؤية التقدمية الليبرالية من قبل معانديها في كل الأقطار العربية، إذ هم يتنازلون شيئا فشيئا عن قناعات جمعانية طالما روّجوا لها بوصفها اليقين القطعي المتعالي على الواقع والتاريخ.

وأيا كان الأمر، فهذا (التحول الواقعي) الحتمي لصالح الليبرالية لا يعني أن الليبرالية – كخطاب - ستحظى بذات الجماهيرية التي يتمتع بها الخطاب الوعظي التقليدي. فالليبرالية من منظور ثقافي/ تنظيري، ستبقى محدودة في مستوى المشتغلين على فروض الثقافة، من مثقفين، ومن مهتمين بالمجال الثقافي. أما انتصاراتها المتوقعة، فهي ستتحقق على أرض الواقع، لا بقوة خطابها، وإنما بقوة منطق العصر. ما يعني أن الجماهير التقليدية ستعيش الليبرالية، بل وسترتفع درجة تَلَبْرُلها؛ في الوقت الذي تتماهي فيه مع خطاب تقليدي يلعن الليبرالية والليبراليين.

إن الجماهير ستمنح التقليديين عواطفها وشعاراتها المعلنة وشهاداتها اليقينية، بل وربما نشاطها الحركي المؤدلج، ولكنها ستمنح – بشكل غير مباشر - الليبرالية خياراتها الحياتية، ستنحاز لواقع الليبراليين، ستعيش الواقع الليبرالي بتفاصيله؛ لسبب واضح وبسيط، وهو أنها تمتلك ما هو أهم من وَهْم الإيديولوجيا التقليدية؛ مهما بدت تلك الإيديولوجيا مغرية بيقينياتها، إنها تمتلك – قبل كل شيء، وبعد كل شيء - غريزة الحرية/ غريزة الحياة.


التسميات: ,