السبت، 23 أبريل 2016

تأليب النصارى على المسلمين

 نشر في صحيفة الرياض بتاريخ 7 صفر 1437 مقال ملئ بتأليب النصارى على المسلمين ، وتصوير النصارى طيبين وتصوير ما يصدر من بعض المسلمين وكأنه كابوس من أصل أصولهم .

التفاصيل :

بعذر وذريعة الإرهاب الذي يسميه (أصوليا إسلاميا) ، فإن الكاتب

·        يحذر دول النصارى بأن تلك الأصولية تمتد وتعبر الحدود ، وتصل إلى مواطنيهم ..

·        يصف الكاتب ما يسميه بالخطاب الأصولي بالحانق وبتأثيره على الغرب

·        يحذر الكاتب الغرب النصراني مما يسميه أصوليات الصحوة الإسلامية

·        يؤلب الكاتب دول الغرب قائلا : إنها مهما حاولت السلامة فإن الوعي الأصولي – الإسلامي- سيدينها

·        يسمي الكاتب حرب الدولة النصرانية الفرنسية على المسلمين في مالي بأنها حرب على الإرهاب

·        يوجه الكاتب دول النصارى بأنها لا منجى لها إلا أن تتصارع مع الإرهاب – الإسلامي – قوة وفكرا

·        إضافة إلى الكلمات التي تضمنها المقال مثل وصفه الغرب بـ( المتحضر )

  الغلو والإفراط والعدوان لا يرضاه المسلمون ، لكن تأليب النصارى على المسلمين مصيبة

  

  

نص المقالة
جريدة الرياض  العدد: 17314
 

 يظن العالم الغربي المتحضر أنه بتجاوزه لتاريخه الخاص المتخم بالصراعات العقائدية والمذهبية، وبقدرته الفائقة على تحجيم الأصوليات الدينية، والقومية، واليمينيات المتطرفة، النابتة – نشازا - في تربته بين الحين والآخر، قد أصبح بمنأى عن مخرجات التطرف والإرهاب والصراعات الدينية المشتعلة في كثير من دول العالم الثالث، هذا العالم الذي يبدو أنه لا يزال يعيش قرونه الوسطى، مختنقا برؤيتها اللاعقلانية في تصوره للعالم ولذاته ولحركة التاريخ.
لا يكفي أن تطمئن إلى توفر الأمن والاستقرار والرخاء في بيتك؛ ما دامت البيوت المتاخمة لبيتك تعج بالجريمة والفقر والغضب المجنون.
وإذا كان العالم أصبح قرية واحدة كما يُقال؛ فلا يمكن أن تكون بعض بيوت القرية بمعزل عما يجري في بعضها الآخر؛ مهما أقامت من عوازل وموانع، خاصة إذا ما كان ثمة وشائج متنوعة عقائدية/عاطفية تربط بين بعض قاطني هذه البيوت، فضلا عن توفر (وسائط) و(وسائل) التواصل التي يستحيل التحكم بها، والتي تجعل من (وهم الانعزال) وَهْماً في حكم المعدوم.
منذ أكثر من ثلاثين عاما، والعالم الإسلامي يعيش لحظة ازدهار الأصوليات التي صعدت إلى منصة الأحداث بوصفها الصحوة الإسلامية الواعدة بمجد الأمة. ظهرت (الجماعة الإسلامية)، و(الجهاد)، و(حركة جهيمان)، و(الثورة الخمينية)..إلخ، كنتاج لحراك أصولي سابق يمتد – في بعض مساراته – إلى ما قبل منتصف القرن العشرين. وقد شاءت الظروف المصاحبة لصعود هذه الحركات (كالجهاد الأفغاني، والمقاومة اللبنانية والفلسطينية المتأسلمة، وأزمة الجزائر..إلخ) أن تزيد من زخم الفعالية الفكرية والحرية لهذه الأصوليات، وأن ترفع من مستوى قدرتها على التأثير في الوعي العام للجماهير.
لقد أصبح الوعي الأصولي ينتظم الخطاب الجماهيري بشكل مباشر أو غير مباشر. أصبحت مقولاته الأممية/ النضالية هي (موضة) العصر أواخر القرن العشرين. وقد عزز الإعلام الفضائي المفتوح من قدرة هذا الخطاب على الاختراق، خاصة وأن بعض القنوات الإعلامية الكبرى جعلت منه وسيلتها إلى الجماهيرية المنشودة، مستلهمة زمن الإعلامي القومي الغوغائي، الذي طالما كان يتحكم في وعي الملايين البائسة، بعد أن يُخدّرها بالوعود الطوباوية الكاذبة، التي لم تفق منها إلا على الهزائم الساحقة الماحقة التي أكلت الأخضر واليابس، والتي لا تزال تَردّداتها تلتهم الحاضر والمستقبل.
بلغ الازدهار الأصولي قمة مجده في الأشهر القليلة التي تلت أحداث 11 سبتمبر. آنذاك، كان الخطاب الأصولي يدعم وعود النصر السابقة بحدث نوعي يصدم العالم المتحضر/ العالم الخصم/ باستهداف رموز القوة فيه.
لقد كانت هذه الأحداث النوعية بمثابة (إعلان غير مباشر) عن قيام الدولة الإسلامية (دولة الخلافة/ أمير المؤمنين: الملا عمر) التي طالما كانت أحلاما تسطرها الأقلام بدماء القلوب الموجعة بإذلال تاريخي طويل.
إن أحداث 11 سبتمبر كانت بمثابة تقديم دولة الملا عمر (طالبان) للجماهير الحالمة في العالم الإسلامي؛ مدعومة بشهادة نصر تاريخي يتوهم أنه يتحدى العالم كله بعناده وعنفه، فيتوهج أكثر فأكثر كلما بدا بوصفه (انتصارا - انتقاما) في سياق استسلام عام.
لكن، سرعان ما بدأ العد التنازلي للأصولية من حيث توهمت أن بداية انتصاراتها الواعدة. فبعد أشهر قليلة من الابتهاج بأوهام النصر، كانت الضربة التي وجهتها الأصولية للغرب (11 سبتمبر) تبدو وكأنها شهادة وفاة للدولة التي تقدمت بالحدث ذاته كشهادة ميلاد. بسرعة مذهلة - قياسا ببطء فهم الغباء الأصولي - تحوّل حدث الانتصار إلى دمار كامل للدولة الحاضنة للحلم الأصولي، الحلم الذي بدا وكأنه تبخّر فجأة مع الضربات الأولى الموجهة لطالبان.
بهذا ارتسمت معالم هزيمة حقيقية تقف على وَهْم نصر. لم يبق ثمة مساحة للحلم في المدى المنظور. ولهذا تفجر الإرهاب الموجه إلى داخل الدولة الإسلامية (السعودية، مصر، تونس، المغرب) كتعبير يائس عن الإحباط، خاصة بعد أن بدأت عملية تحرير العراق من صدام ومن نظام صدام بتحالف دولي تتزعمه دول الغرب/ الخصماء التاريخيون.
وقد كان شعور بالإحباط يتعزّز مع كل حركة إرهابية فاشلة، وكان الإحباط المتراكم يقود إلى مزيد من العمليات اليائسة التي لا تجد مجالا لها إلا بين المدنيين. ما يعني مزيدا من النفور الجماهيري، هذا النفور الذي سيقف دون تمدد هذا الخطاب، ومن ثم سيورث مزيدا من الإحباط، وهكذا دواليك.
في هذا الزمن المحبط للأصوليين حركيا، كان منظّرو هذا الخطاب يوغلون في مزيد من التنظير المغالي، الذي يزداد غلوا؛ بقدر ما تواجهه الأصولية من هزائم على أرض الواقع. لكن، لا ريب أن خطابهم التنظيري كان يجد له مجالا عند الجيل الجديد الذي لم يعش – بكامل وعيه - عنفوان (هزيمة النصر!) في 11 سبتمبر، وبالتالي، لم يدرك أن الوعد الأصولي أصبح خطابا مكرورا، يأخذ دورته الطبيعية في الحياة؛ لينتهي في كل مرة كما بدأ، فلا تتوقف عجلة هذا الدور إلا بفعل التشارط الظرفي الذي يسمح بشيء من التمدد أو التمكين الجزئي، والذي يتم طرحه على أنه من بشائر النصر الموعود.
جاءت الفوضى الأمنية والاجتماعية التي أعقبت الحراك الغاضب في دول (الربيع العربي)، لتخلق فضاء متميزا لدورة جديدة تستقطب أشتات الحلم الأصولي. وإذ انفتح الفضاء السوري المشتعل بثورة مبعثرة على الفضاء العراقي المعتل أمنيا واجتماعيا وسياسيا منذ عشر سنوات؛ فقد بدأت تتشكل عناصر أصولية مسلحة، تتفاعل – جدليا - مع النظرية الأصولية، التي باتت تتطور إيغالا في تشريع العنف؛ لتصل – تنظيرا وممارسة - إلى إحراق البشر وهم أحياء.
تطورت الأصولية وازدهرت في هذا الفضاء الفوضوي العراقي - السوري؛ لتصل إلى تكوين دولة الإرهاب (= داعش) على مساحات جغرافية شاسعة من الأراضي السورية والعراقية، مستمدة عناصرها البشرية من كل أنحاء العالم بلا استثناء، حتى وإن كان مخزونها البشري يتغذى من دول المشرق العربي بالذات.
كان من الواضح في ظل هذا التمدد الأصولي الإرهابي أننا نعيش مرحلة خطيرة من تاريخ علاقتنا بالإرهاب، بل ومن تاريخ علاقة العالم مع الإرهاب. لكن، للأسف، لم تكن الاستجابة العالمية لمواجهة هذا الخطر الداهم تتناسب مع مستوى الخطر. ففي حين كان يستلزم الأمر تدخلا عسكريا كبيرا وشاملا على أكثر من صعيد، لم يتقدم هذا العالم بأكثر من ضربات خجولة، أتت بعد تردد طويل، وكأنها لا تهدف إلى القضاء على هذا الخطر، بقدر ما تهدف إلى رفع الحرج، بعد أن بات السكوت المريب يثير كثيرا من علامات الاستفهام.
لقد كان العالم الغربي ينظر إلى تمدد القوى الأصولية المتطرفة وهو يأمل أن يأكل بعضها بعضا، أو أن تقوم دول المنطقة بعمل استثنائي للقضاء عليها، بينما يبقى هو على مدرج الحدث يتفرج من بعيد.
توهم هذا العالم أن بإمكانه النجاة من إرهاب متوحش يقع خارج مجاله الحيوي. وباختصار: كان هذا العالم مكتفيا بتحصين ذاته بالإجراءات الأمنية المشددة، متوهما أن بُعده عن الأحداث، وتجنبه للدخول في صراع مباشر مع دولة الإرهاب، سيجنبانه غضب الأصوليين.
يتجاهل العالم الغربي أن السرديات الأصولية المتأسلمة لا تعترف بالحدود الإقليمية، فهي – على تنوعها، المتضاد أحيانا – تتبنى رؤى أممية عابرة للحدود. وبالتالي، فتأثير الخطاب الأصولي – كنصوص وكوقائع/ كمشاهد – يمتد إلى كثير من مواطني الغرب من المسلمين. ما يعني الخطاب الأصولي الحانق النابع من توترات وصراعات الشرق الأوسط، سيكون خطابا موجها إلى المسلم الفرنسي والمسلم الألماني والمسلم البريطاني..إلخ؛ بذات الدرجة التي يكون فيها موجها إلى المسلم العراقي والمسلم السوري المسلم السعودي والمسلم المصري والمسلم التونسي..إلخ، وسيتفاعل المسلم هنا وهناك بنفس الدرجة، بل ربما تعزز فضاءات الحرية المتاحة في الغرب من إمكانات التأثير السلبي أكثر مما هي عليه الحال في الشرق، وأيضا سيكون لحالة الاغتراب دور في رفع مستوى التأثير.
وكما يتعولم الإرهاب على مستوى الخطاب؛ يتعولم أيضا على مستوى الوقائع. فالوقائع والأحداث تتقاطع وتتشابك على عدة مستويات، ولا يمكن فصل الأحداث عن دوافعها وعن تأثيراتها وارتداداتها المباشرة وغير المباشرة. فالحرب على الإرهاب في مالي مثلا، لن يستطيع الفرنسيون إقناع الأصوليين بأنها معزولة عن قواعدهم الأصولية في العراق مثلا. وما يحدث للأصولية في ليبيا بتدخل من هذه الدولة الغربية أو تلك، هو بالضرورة – في الوعي الأصولي – مرتبط بما يحدث في مصر أو تونس. وهكذا، ستجد الدول الغربية نفسها مدانة في سياق الوعي الأصولي الأممي؛ مهما حاولت الاعتزال وتجنب الصراع المباشر؛ إيثارا للسلامة. وبالتالي، ستجد نفسها هدفا محتملا على الدوام، وسيضربها الإرهاب في الوقت الذي تظن فيه أنها أبعد ما تكون عن الصراع مع الإرهاب.
إذن، لا منجى لدول الغرب من الإرهاب إلا بالدخول في صراع مباشر وشامل مع الإرهاب. بل لا منجى إلا بجعل الحرب الشاملة على الإرهاب أولوية الأولويات. لا بد من محاصرة الإرهابيين حراكا وفكرا، بدل منحهم فرصة الاستفادة من فضاءات الحرية في الغرب.
الأمن ليس ترفا فنُخضعه للمقامرة؛ لمجرد أن نتسلى بجنون الإرهابيين. الأمن ليس هبة مجانية تجود بها الحياة بشكل طبيعي، بل هو إنجاز مضاف، لا يتحقق إلا بهرم من التضحيات الجِسام على مستوى العنصر المادي وعلى مستوى العنصر الإنساني.
الحرب على الإرهاب مهمة الجميع، ويجب أن تكون مهمة الجميع. ونحن إذ نتضامن مع فرنسا في هذه الأحداث الأليمة، فإنما نفعل ذلك كتضامن أولي، من أجل الإسهام - ولو رمزيا – في الحرب الشاملة ضد الإرهاب.
التضامن هنا لن يغير ما حدث، ولكنه سيغير ما يمكن أن يحدث. أنت قد لا تصنع شيئا بتضامنك مع بلد يبعد عنك آلاف الأميال، ولكنك تصنع حالة وعي عام بالإنسان في بيئتك/ في محيطك الحيوي، وهذا يسهم في درء خطر الإرهاب ولو بدرجة ما؛ لأن الشعور بالحزن، والتفاعل الإيجابي مع هذا الحزن، ومن ثم التفكير بهذا الحزن، يخلق مناعة ضد فيروس التوحش الإرهابي. وهذا هو أشد ما نحتاجه في هذا الوقت الذي ينتشر فيه وباء الإرهاب

رابط المقالة :



التسميات: ,