الخميس، 5 مايو 2016

الحرب على السلفية في صحيفة الرياض ، ماذا يعجبهم ؟

الحرب على السلفية

  تقوم صحيفة الرياض منذ ما يقارب من خمسة عشر عاما بنشر مقالات المدعو المحمود والتي فيها حرب السلفية .

نشرت الصحيفة بتاريخ 28 رجب 1437 مقالا هاجم فيه الكاتب السلفية – يسميها التقليدية والتقليديين –

وسبب هجومه هو ما صرح به لما وجد منها من حذر وتحذير من الفلسفة – التي أكثرها للزيغ أقرب منها للهدى –

يقول عن السلفية : ( إن عالم الفلسفة كانت بيئتي الدينية التقليدية تتشكّك فيه، وترميه – صراحة وتلميحاً – بتُهم الزيغ والضلال، وربما تجعله رابع التابوهات المحرمة، أو تكتفي - في أحسن الأحوال - بالازورار عنه، وتهميشه، وتحقيره بمزيد من الإهمال )

ويقول : (لارتياب التقليدي بكل ما له علاقة بالفلسفة. تحذيرات سدنة المنظومة التقليدية، منذ أواخر القرن الثاني الهجري، وإلى اليوم، من الفلسفة والفلاسفة، لا تزال تحتل كل فضاءات الوعي التقليدي الاتباعي الاجتراري. )  

ويقول : (  الفلسفة هي فضاء الفكر الحر، هي أولى خطوات اللاّيقين، وخاصة اللاّيقين الكلياني/الشامل، ومن ثم فهي رافعة راية الاستقلال العقلي الفردي الذي يقطع خط الاتباع. هي النقد المتسائل المتواصل إلى ما لا نهاية. ومن هنا، فهي صانعة الأسئلة الكبرى، وقاتلة الأجوبة الكبرى. التقليديون يدركون ذلك، وطبيعي – في مثل هذه الحال – أن يقمعوها بكل وسائل القمع؛ لأنها تقمع إرادة الهيمنة لديهم بتحرير العقل الفردي من الضياع في متاهات الاتباع )

أما هيامه بالفلسفة في هذا المقال فشئ عظيم

فمما قال : (الفلسفة هي النقد المتسائل المتواصل إلى ما لا نهاية.  ) !!! وقال مادحاً : ( الفلسفة فضاء يقطع خط الاتباع ) !!!

  كيف ينشر هذا الضلال على رؤوس الأشهاد  

  ،الله المستعان  


نص المقال :
يتميز النقد الأدبي الحديث بأنه الحقل الأوسع والأكثر تنوعاً؛ بحكم انفتاحه على كل ميادين العلوم الإنسانية، ومعظم ميادين العلم الطبيعي، واستثماره للمنجزات المعرفية التي تزدهر فهيا، فضلاً عن كونه اشتغالاً مباشراً على النصوص الأدبية التي تعكس – بطرائقها الخاصة – تعقيدات التجربة الإنسانية وتنويعاتها. ما يعني، أن النقد الأدبي الحديث لا بد وأن ينتهي – بحكم الاضطرار التخصصي المرتبط بمادة الاشتغال/الموضوع – إلى انفتاح معرفي يتسع باتساع الحياة ذاتها؛ وإلا فشل في مهمته التي يجد مشروعية – كعلم – فيها، وبدونها لا مبرر لوجوده من الأساس.
لقد ذكرت في المقال السابق كيف قادني الأدب القديم إلى الأدب الحديث، وكيف قادني هذا الأخير إلى النقد الأدبي الحديث، الذي كان عاملاً مباشراً في فتح آفاق وعيي القرائي على الكتاب الفلسفي. وإذا كنت من قبل قد ذكرت واقعة التماس الأول مع الفلسفة، التي حدثت بدافع اهتمامي بالإحالات الأدبية القديمة/ التراثية على مقولات الفلاسفة، وخاصة كتب السرقات الأدبية، فضلاً عن كتب الأدباء المعنيين عناية مباشرة بالمقولات الفلسفية، كأبي حيان التوحيدي في كتبه: (الإمتاع والمؤانسة)، و(البصائر والذخائر)، و(الهوامل والشوامل)، وكون هذا قادني إلى الوعي بالعلاقة العضوية المباشرة بين الأدب والفلسفة، وبالتالي، إلى الوعي بضرورة أن أقرأ في الفلسفة؛ إذا ما أردت الإحاطة بعالم الأدب، أقول: إذا كانت الواقعة الأولى على هذا النحو، فإن القراءة – قراءة منتظمة - في الفلسفة من حيث هي فلسفة، في حقلها المعرفي الخاص، لم تكن إلا بدافع من الرغبة في الإحاطة بمعالم النظرية النقدية المعاصرة، المَعْنيّة بعالم الأدب في كل العصور، الأدب الذي هو ميدان عشقي الأول والأكبر والأعمق، والذي ترسّخ في أعماقي بعد تجارب قرائية متنوعة، أنني – دائماً – منه أبدأ، وإليه أعود!.
إذن، ثلاثة عوامل أو دوافع، تضافرت في أوقات متقاربة؛ لتدفع بي إلى الاهتمام بالكتاب الفلسفي. الكتابات الأدبية القديمة ربطتني بالفلسفة القديمة. وكتابات الأدباء الرواد، كطه حسين والعقاد، ربطتني بالفكر الحديث وإشكالياته، ومنها الإشكاليات الفلسفية. والنقد الأدبي الحديث المرتبط عضوياً بالمقولات الفلسفية وبخلفياتها الاجتماعية. هكذا كانت البداية، وعلى العموم، هي عوامل/دوافع شكّلت – في الوقت نفسه، وبحكم البدايات الساذجة - قنوات معرفية لارتياد ذلك العالم المجهول: عالم الفلسفة، العالم الذي كانت بيئتي الدينية التقليدية تتشكّك فيه، وترميه – صراحة وتلميحاً – بتُهم الزيغ والضلال، وربما تجعله رابع التابوهات المحرمة، أو تكتفي - في أحسن الأحوال - بالازورار عنه، وتهميشه، وتحقيره بمزيد من الإهمال.
لقد ذكرت في مقال سابق أن البداية، بداية القراءة القصدية في كتاب فلسفي، كانت بكتابين وجدتهما أمامي في المكتبة العامة بالبكيرية. الأول: كتاب (تهافت الفلاسفة) للغزالي، بتحقيق: سليمان دنيا. والثاني: كتاب (رسائل إخوان الصفا)، طبعة دار صادر، في مجلدين. وهما كتابان طالما رأيتهما في الغرفة المخصصة للأدب واللغة والفكر؛ فلم ألتفت إليهما، بحكم تصوري المحدود لحدود الأدب في بداياتي الأولى. لكني استعرتهما، ولم أكن لأستعيرهما؛ لو لم أكن قد تشبّعت بالإحالات الفلسفية المقتضبة التي تفنّنت فيها كتب السرقات الأدبية/الشعرية. لقد أردتُ التعرّف على الفلسفة، فوجدتهما أمامي بين كتب الأدب (كانت المكتبة العامة على كثير من الإهمال، بحيث تختلط التخصصات بطريقة تُضحك الثكلى في بعض الأحيان)، وبينما كان اسم الغزالي ليس غريباً عليّ، إذ كثيراً ما توقفت عند ترجمته وما فيها من تحولات مُشوّقة في كتب التراجم التي أغرمت بها، لم أكن أعرف عن إخوان الصفاء أي شيء، إلا أن تصفحي للمجلدين في المكتبة قبل استعارتهما، جعلني أعتقد أنها رسائل فلسفية خالصة، وأنني وقعت على كنز ثمين.
في تلك السنوات الحالمة، كنت أتعمّد أن تكون زيارتي للمكتبة العامة يوم الأربعاء، والمكتبة الخيرية يوم الخميس؛ إذ إن طقوس اللذة القرائية تستلزم ذلك. كان يوم الأربعاء هو نهاية العمل الأسبوعي الرسمي، وعطلة المكتبة الخيرية يوم الجمعة فقط. ومن هنا، ضبطت مواعيد الزيارة على إيقاع الوقت الذي يصنع جماله بذاته. وبهذا ربطت جمالاً بجمال، ولذة بلذة، فأجمل ما تكون القراءة الحرة في الأوقات الحرة، أي على فراغ من الهموم والالتزامات. كنت أحلم، وأبدأ في معايشة أحلامي. هذا حلم يتحقق، إذا خرجت مساء الأربعاء بمجموعة من الكتب المستعارة، فهذا يعني أنني أمام وقت متسع ومتصل للبهجة المتواصلة حتى صباح السبت. في مثل هذه الحال، باستطاعتي أن أقرأ على راحتي متنقلاً كيفما أشاء بين هذه الكتب التي لم أقرأها من قبل، باستطاعتي أن أواصل القراءة مواصلة لا يقطعها إلا النوم المتقطع الذي أتحكم فيه بمزاجي على مدى يومين ونصف من الحرية الخالصة. ليس من المعقول أن أستعير كتبي المختارة وسط الأسبوع، لأن أخرج من المكتبة بمعشوقاتي التي أتلهف على قراءتها؛ فأجد نفسي مرغماً بعد ساعات معدودة على التوقف عن القراءة؛ بحكم أنني على موعد مع مقاعد الدراسة صباح الغد. هنا تصبح اللذة القرائية منقوصة، مشوبة ببعض الكدر النفسي.
لقد انطلقت في هذا الترتيب من مبدأ شعوري واضح، يتمثل في أنه لا يمكن لك أن تحتفل بشيء مبهج في ليلة صباحها عمل، وأنت تستطيع ترحيل الاحتفال إلى ليالي الإجازة، حيث فراع العقل والجسد. لهذا أخذت على نفسي أن أوفّر لهذه اللذة - التي أجترّها حُلماً؛ كما أجترّها واقعاً - كل مستلزماتها؛ ما دامت في متناول اليد. ولا شك أن توفر مجموعة من الكتب التي تهوى قراءتها، التي تهوى قراءتها بمحض اختيارك/دونما واجب من أي نوع إلا واجب لذة القراءة والاكتشاف، في الوقت الذي تستقبل فيه أكثر من ستين ساعة من الوقت المجاني المتواصل، هو من أصفى وأجود ما تجود به هذه الحياة من نعيم.
كانت المكتبة العامة تغلق أبوابها للصلاة مرتين: لصلاة المغرب ولصلاة العشاء. غالباً ما كنت أزور المكتبة بعد صلاة المغرب مباشرة، وأمكث فيها إلى وقت صلاة العشاء. كنت أرى في هذه الساعة كفاية؛ إذ لم أكن أقرأ داخل المكتبة؛ إلا في حدود ما يستلزمه التعرف على الكتاب؛ لتقدير جدارته بالاستعارة. أحياناً يحاصرني الوقت، فأحضر بعد صلاة العشاء؛ لاستكمال البحث والتنقيب. كنت في مدى ساعة، أبحث بين ركام الكتب عن سبعة أو ثمانية كتب؛ لأستعيرها لمدة أسبوعين (الوقت المحدد للإعارة). وقد استعرت الكتابين السابقين من جملة ما استعرت، ورجعت إلى البيت، وبدأت قراءة كتاب: التهافت. أذكر أنني سهرت تلك الليلة، ولم أنم إلا ظهر الغد؛ بعد أن أكملت قراءته. وطبعاً، كانت قراءة سريعة، بحيث فهمت أشياء وغابت عني أشياء، وقد كانت قراءتي لتعليقات المحقق: سليمان دنيا أمتع من قراءة الأصل، على ما أتذكر الآن. وفي العموم كان الكتاب ممتعاً؛ بعكس الكتاب الآخر: (رسائل إخوان الصفا) الذي وجدت فيه من الطلاسم، ومن اللامعقول (وهو كثير في نظري آنذاك)، ما جعل صورة الفلسفة في ذهني تضطرب، ويخالطني من ناحيتها إحساس غير واضح بعدم الثقة، إحساس خافت وخجول، ولكنه كان قابلاً للنمو؛ لولا أنني كنت قد تشبعت بالإجلال الضمني الذي كان يتخلل كتب الجاحظ والتوحيدي، فكان هذا الإجلال الراسخ الذي لامس سقف التقديس، سبباً في إصراري على مواصلة القراءة في الميدان الفلسفي.
لم أنسَ تفاصيل ذلك اليوم. بعد صلاة المغرب من يوم الخميس التالي، وقبل أن أقرأ (رسائل إخوان الصفاء)، كنت أزور المكتبة الخيرية. بحثت في تلك الساعة التي تفصل بين المغرب والعشاء عن أي كتاب فلسفي؛ فلم أجد. الغالب – إلا في استثناءات نادرة – أن المكتبة الخيرية، وبحكم كونها في الأصل مكتبة دينية، تعتمد أسلوباً في اختيار الكتب أشد انغلاقا ومحافظة من المكتبة العامة. ما تتميز به المكتبة الخيرية على العامة أنها كانت تنمو؛ بحكم أنها خاضعة للإدارة الخاصة، والتمويل الخيري المباشر. بينما كانت المكتبة العامة متوقفة عن النمو تماما، بعد انتهاء زمن الطفرة الأولى. مثلاً، في المكتبة الخيرية، كنت تجد مجموعة من الكتب الأدبية الجديدة التي تُزوّد بها المكتبة كل شهرين أو ثلاثة، وكان هذا مغرياً ومبهجاً. بينما لا تجد مثل ذلك في المكتبة العامة. أذكر أنني سألت أحد أمناء هذه المكتبة الأخيرة بعد أكثر من خمس سنوات من التردد عليهم، وبعد قراءة الأغلبية الساحقة مما لديهم من كتب الأدب، وبعد أن لاحظت عدم وجود أي كتاب جديد: لماذا لا تشترون كتباً جديدة؟، لماذا لا تكتبون للوزارة مطالبين بكتب جديدة؟؛ فجاءني رده العجيب: وهل قرأت كل الكتب التي في المكتبة؟. ثم عقّب - فيما يشبه التحدي الذي ينضح براءة: إذا قرأت كل ما في المكتبة؛ اشترينا لك كتباً جديدة!. هكذا يفهم أحد (أمناء) المكتبة القراءة؛ لأن علاقته بالكتب – وبالقراءة، وبمفهوم القراءة - مقطوعة تماماً. إنه يتصور القراءة على أساس أن كل كتاب صالح للقراءة، وأنه صالح لكل أحد، وأن كل كتاب مُهمّ لكل أحد، وأن الكتب سواء!.
أرجع إلى مسألة غياب الكتاب الفلسفي في المكتبة الخيرية، وهي المسألة التي تعكس شيئاً من علاقة الديني التقليدي بالفلسفي. في تقديري أنه غياب مُتعمّد، نابع من الارتياب التقليدي بكل ما له علاقة بالفلسفة. تحذيرات سدنة المنظومة التقليدية، منذ أواخر القرن الثاني الهجري، وإلى اليوم، من الفلسفة والفلاسفة، لا تزال تحتل كل فضاءات الوعي التقليدي الاتباعي الاجتراري. الفلسفة هي فضاء الفكر الحر، هي أولى خطوات اللاّيقين، وخاصة اللاّيقين الكلياني/الشامل، ومن ثم فهي رافعة راية الاستقلال العقلي الفردي الذي يقطع خط الاتباع. هي النقد المتسائل المتواصل إلى ما لا نهاية. ومن هنا، فهي صانعة الأسئلة الكبرى، وقاتلة الأجوبة الكبرى. التقليديون يدركون ذلك، وطبيعي – في مثل هذه الحال – أن يقمعوها بكل وسائل القمع؛ لأنها تقمع إرادة الهيمنة لديهم بتحرير العقل الفردي من الضياع في متاهات الاتباع.
للأسف، لم أجد ما آمله في المكتبة الخيرية/الدينية. لهذا، انتظرت بفارغ الصبر مساء السبت، حيث الزيارة التالية للمكتبة العامة. حاولت أن أجد كتبا تختصر لي الفلسفة، القديمة والحديثة، وتمنيت أن أجد ما يقربها إليّ بأسلوب أدبي يُغريني أكثر فأكثر بالمواصلة. وفعلاً، عثرت على خمسة كتب من أول جولة بحثية، فاستعرتها؛ زيادة على ما استعرته قبل يومين. كان الكتاب الأول هو: (الفلسفة العربية عبر العصور) من تأليف: رمزي نجّار، والثاني: (في الفلسفة الإسلامية) من تأليف: إبراهيم مدكور، والثالث: (تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية) من تأليف: مصطفى عبدالرازق، والرابع: (مبادئ الفلسفة) من تأليف ا. س . رابوبرت، ترجمة: أحمد أمين، والخامس: (رواد المثالية في الفلسفة الغربية) من تأليف: عثمان أمين.
في أقل من خمسة عشر يوما قرأتها. لكن، لا يعني هذا أني فهمت كل ما فيها، لقد كانت قراءة مستعجلة تحاول الإحاطة؛ دون أن تحاول الاستيعاب. لم يكن من المتوقع هضم كل ما فيها من تلك القراءة المبكرة. كنت أتمسك بما أفهم، وأدع ما يُغمّ عليّ فيه إلى وقت آخر، أو قراءة أخرى لا أعرف لها ميعاداً.


التسميات: ,