المزيني وكلام ضال ومضاد للعقيدة في صحيفة الحياة
بسم الله الرحمن الرحيم
نشرت صحيفة الحياة يوم الأربعاء 27 ربيع الآخر 1438 مقالة تنضح كفرا ، المقالة بعنوان ( أيها الكفر تحدث كي أراك )
أولاً : امتعض وتبرم الكاتب من التكفير دون تفصيل .
وهذا لا يجوز ؛ إذ التكفير -لمن هم أهل- عقيدة يوقن بها المسلم .
ثانيا : دعا الكاتب للتخلص من التكفير والعيش تحت قاعدة دستورية جديدة «مسيجة» بالقوانين العادلة التي نصت عليها الأديان المتسامحة .
وهذا كلام ضلال من وجوه ، الأول : التخلص من التكفير يعني إلغاء ما جاء به الكتاب والسنة من ذلك ، ثانيا : الإقرار بأن ثمة دينًا صحيحًا سوى الإسلام ، والثالث : الدعوة لدستور يأخذ من الإسلام ومن الأديان المحرفة .
ثالثا : دعا الكاتب لأن يمارس البشر شعائرهم باختيارهم لا بتوجيه كهنوتي !
.. كيف يطالب بترك البشر يمارسون شعائرهم كما يشاؤون ، حتى شعائر الكفر!
تبرم الكاتب مما سماه ( توجيه كهنوتي )
وهذا لمز للعلماء بالكهنوتية
رابعا : لمز الكاتب العلماء مرة أخرى وقال : هؤلاء الذين تقولون إن لحومهم مسمومة وهم دعاة كراهية ومحرضوا القتل .
خامسا : دعا الكاتب إلى إحراق كل المذاهب التكفيرية وطقوسها ومبادئها
أقول : التكفير جاء في صميم عقيدة الإسلام –لمن هم أهل- فكلام الكاتب يشمل الإسلام في الدعوة لحرقه ، ولا مجال للتأويل والتسويغ .
سادسا : يقول الكاتب : الدين الممذهب ما هو إلا آلة قتل حادة وحارقة وناسفة ومدمرة
وهذا كلام ضلال أي اعتبار الدين آلة حارقة ، أما قوله ممذهب ، فلو قصد مذهبا فقهيا أو مذهبا عقديا ، أيا منهما ، كيف يدعي أن الدين آلة حارقة مدمرة ناسفة ؟
سابعا : قال الكاتب : الحروب ذات القطبين في أوضح صورها تجلت بطرق ضيقة ومهينة لكرامة الإنسان في كل الحروب الدينية غير المتسامحة التي تنزع إلى معيار واحد تتحقق معادلة الانتصار المطلق المتضمنة في جملة مكرسة لا تقبل التأويل «إما أن تكون معي أو ضدي» .
وهذا كلام كفري ، لأنه قرر أن كل الحروب الدينية ذات القطبين يعني التي تقسم الناس إلى مسلم وكافر وولاء وبراء وحب وبغض ومعي وضدي، قرر الكاتب أنها مهينة لكرامة الإنسان ، وأيضا رفض الحروب التي تنزع إلى معيار واحد ، ولا شك أن الجهاد في الإسلامي ينزع لمعيار واحد وهو الشرع
هذا والله المستعان ، المصيبة ليست وجود الشر والضلال ، المصيبة إعلان ذلك على رؤوس الأشهاد في صحف سيارة .
ولا أشك أن ما ينشر هو مخالف للأوامر والتعليمات والأنظمة وخارق لها في الصميم
نص المقال
أيها «الكُفر» تحدث كي أراك/محمد المزيني
تاريخ «الكُفر» عريق عراقة الإنسان وارتباطه به حدد علاقته بالكون والحياة، وتمظهرت إشكالاته مع نفسه بناء على رؤية مسكونة بالخوف، حتى ارتمى في أحضان المردة والشياطين من الجن والإنس الذين اتسعت أطماعهم إلى أقاصي الأرض.
ملحمة جلجامش أو أسطورة جلجامش السومرية تصور هذا المعنى بجلاء، وكيف يتخلّق الملوك والأباطرة بأشكال «آلهة» متخيلة، هنا يكمن الرمز الذي لا يزال حياً يترعرع في أفكارنا من دون أن ندري، ونحن نُلبس الأشخاص صورة «إلهية» لهم تأثير ساحر في بسطاء الناس، وسيوفهم التي كان يحارب بها جلجامش أعداءه مع مفارقة نهاية الأسطورة التي جعلت منه حارساً للشعوب وأميناً على مقدراتها، بينما آلهة اليوم أصبحوا بأدواتهم ذات المضاء الأبلغ من السيوف يؤججون داخلنا صراعات لا تنتهي بين طبيعتين إلهية وبشرية.
تجلت هذه الحروب ذات القطبين في أوضح صورها بطرق ضيقة ومهينة لكرامة الإنسان في كل الحروب الدينية غير المتسامحة التي تنزع إلى معيار واحد تتحقق معادلة الانتصار المطلق المتضمنة في جملة مكرسة لا تقبل التأويل «إما أن تكون معي أو ضدي»، ولكي تحقق هذه الجملة أو العقيدة أهدافها تلبس حلة العقيدة الدينية بتأويلاتها البشرية المحضة، وكلما أوغلت هذه العقيدة بالتمكن من العقول والأرواح بدت فعاليتها قاسية وبشعة، وكمثال دونه التاريخ بأحبار من دم ما وقع في أوروبا من صراعات مذهبية بمثل ما شهدته في القرن الـ17 ميلادي من صراعات طاحنة دامت 30 سنة تحت مظلة دينية يحمل ألويتها الكاثوليك والبروتستانت، كل جيش «مدجن» بعقيدة تتضمن ذريعة القضاء على الكفر والزندقة، حتى أفنت البشر وأفشت الفقر والمجاعة، ونحن في عالمنا الإسلامي لم تسقط من ذاكرتنا بعد ما فعله فرديناند والملكة إيزابيلا يوم دخلا غرناطة منتصرين من بطش وجور للمسلمين واليهود على حد سواء، نصبت لهم المحارق حتى أجلوا منها عدا من اعتنق منهم الكاثوليكية.
تجلى جموح عقيدة القتل والتشفي في أقصى صورة وأشدها فداحة لكل المخالفين من ذات الدين الواحد، إذ عانى عالمنا الإسلامي من ويلاتها ردحاً من الزمن، ذلك المنسوب إلى عصوره «الظلامية» التي لا نزال نراها تضرب رواقها حتى اليوم على عقولنا. لم نتعلم حقيقة الإسلام الإلهي الذي جاء به الوحي وأنزل على نبيه الأمين محمد صلى الله عليه وسلم كان ديناً واحداً متسامحاً مع كل الأديان، اتصفت به الأخلاق المجسدة واقعياً بين المسلمين في كل أصقاع الأرض، فكانوا مثالاً يحتذى في رقي التعامل وحسن المنطق.
اليوم كما قلت نعيش عصورنا «الظلامية» بلا منازع، لا يشاركنا فيها أحد، حتى تجاوزتنا الأمم المتحضرة بقرون، وأمم أخرى بدأت تستوعب دروس التاريخ وتكتشف أن الدين الممذهب ما هو إلا آلة قتل حادة وحارقة وناسفة ومدمرة.
في حالنا البائسة -لا أتحدث هنا عن دولة أو نظام بعينه- كنا أمة ينظر إليها على أنها تجسد قمة التحضر وتعتلي سنام التقدم، وإذا بها اليوم تتدحرج إلى قاع الفرقة والتشتت تحت وطأة مفاهيم دينية خاطئة، استحلت خريطتها المذاهب والفرق فأصبحنا لا نرانا إلا من نافذتها، ولكي أصف نفسي داخل هوية مذهبية يجب أن يمثل انتمائي أقصى درجات التطرف من خلال رفض الآخر وتعليقه بمشجب العداوة والرفض، فيما لو اختلفت وتبرأت من لغة الخطاب التكفيري الذي يسكننا وصحت بـ«ملء فِي» أنني لست مسؤولاً عن أفكار الناس وأقوالهم قدر اهتمامي بأفعالهم وأخلاقهم تجاه الإنسان والكون فسيحفر اسمي بلون أسود كريه بعبارة من العبارات السمجة المتداولة (منافق، علماني) يجمعها قولهم «كافر»، بينما دعاة الكراهية والتقسيم المذهبي ومحرضو القتل والتفجير، أحباب الله وإن لم يقولوها صراحة فيكفي أنهم يجلُّون ويحترمون ويقدرون وأن لحومهم مسمومة، لا يكرههم إلا منافق وعلماني.
أستطيع القول بثقة تامة إن ثمة مذهباً ثالثاً يقبع خلف كل هذه المذاهب، هو مذهب شيطاني مخاتل وغادر يسمى «التكفير»، لقد اختطف عرّابو هذه المذاهب ألوية الحرب بأساليب كهنوتية، وتحدثوا باسم الإله، لا يأتيهم الباطل بين أيديهم أو من خلفهم، ثم قسم الناس بينهم إلى تبع ومستقلين رافضين الدخول في حرمهم الذي خطوه على مقاس غواياتهم، ثم حركوا دهماء الناس للتشكيك بهم وتكفيرهم، فما إن تصاعدت وتيرة هذا التأليب والتجييش حتى تفشت بيننا تلك الأورام الخبيثة التي لا يمكن أن تشفى منها إلا باستئصالها، وهذا ما يفسر لنا ظاهرياً كل إحداثيات الإرهاب الممذهب المتفشي بيننا، لم تسلم منها أجزاء من الأمة كنا نراها قبلاً تملصت من أذرع المذهبيات، وأصبحت تدار وفق قوانين عادلة مؤسسة على دساتير إنسانية واضحة، وإذا بها تجر إلى مستنقعها ويتألب الناس وفق أهواء مذهب التكفير.
هنا بدأنا ننفصل عن مجرة الأمم المتقدمة ذات الدساتير العادلة، نحن خرجنا من الأسطورة لنجسدها تماماً حتى أصبحنا أمة «زومبية» كسولة خاملة منومة مغناطيسياً تتحرك بأدوات خفية ذات أطماع دونية، تتآكل من الداخل أو بالأحرى ينهش بعضها بعضاً، باختصار لن نخرج من هذا كله حتى نجمع كل شتات هذه المذاهب التكفيرية (طقوسها أعرافها مبادئها) ونشعل بها النار كمن يحرق تعويذة خبيثة، ونتصافح كبشر طبيعيين لهم الحق بممارسة كل شعائرهم باختيارهم لا بتوجيه كهنوتي وتحت قاعدة دستورية جديدة «مسيجة» بالقوانين العادلة التي نصت عليها الأديان المتسامحة، المشتقة من صفة الله العادل.
التسميات: صحيفة الحياة, محمد المزيني