الأربعاء، 27 أبريل 2016

صحيفة الوطن تنشر كلاما فاسدا ضالا في العقيدة ، إلى متى يستباح حمى العقيدة في صحفنا

بسم الله الرحمن الرحيم
  هنا في هذا البلد المبارك حوالي خمسة آلاف شخص من أهل العلم .. إما عالما أو شيخا أو طالب علم متمكنا من خريجي الجامعات الشرعية على مدى عشرين عاما .
ومع ذلك فالإعلام عندما لا يتكلم فيه عن الدين إلا أهل الضلال والانحراف .
بتاريخ 19 رجب 1437 نشرت صحيفة الوطن مقالا بعنوان : ( من علمكم قتل الناس على آرائهم ) بقلم المدعو سطام المقرن
المشكلة أن الكلام عن أهم شئ في الدين وهو العقيدة ، ومع ذلك فيكتب فيه إما جاهل أو ضال .
يزعم الكاتب أن مذهب الصحابة هو عدم تكفير أحد لرأي أبداه ما لم يتعد على الغير
وهذا كما يتضح  مذهب فاسد ، يجرّئ أهل الضلال حتى على سب الذات الإلهية أو أي شئ يصنف على أنه ( رأي )
ويقول الكاتب : وحساب الناس على معتقداتهم يكون في الآخرة
وهذا أيضا رأي فاسد ، بل إن السلطان المسلم يحاسب الناس على معتقداتهم الضالة إذا أظهروها .
يقول الكاتب أيضا : بعض فقهاء المسلمين، وفي بعض فتاواهم تكفير ، غير مدركين خطورة ما يفتون به في مثل هذه المسائل والتي تطال عقائد الآخرين
وهذا أيضا رأي فاسد فعقائد الآخرين الضالة يجب بيان ضلالها وضلال أهلها .
يقول الكاتب أيضا : (التكفير)   إطلاقه على غير المسلمين فيه نظر
وهذا أيضا ضلال ، بل من لم يدن بالإسلام فهو كافر .
يقول الكاتب : لنفترض جدلاً أن شخصاً أنكر الصلاة وجاهر بذلك، يا ترى هل نستطيع أن نحكم على هذا الشخص بالكفر.. ثم ذكر ما يسوغ له ذلك من الأعذار إلى أن وصل قوله : وماذا في النهاية عن حرية الاعتقاد
وهذا لا شك فيه تمييع وإثارة شبه وقوله : (ماذا عن حرية الاعتقاد ) كلام خطير .
يقول الكاتب : إن الإنسان الذي سلم الناس من لسانه ويده وعاش الحب لله ثم الإنسانية، وسعى في مساعدة الفقراء والمساكين ونصرة المظلومين فهو مسلم في الحقيقة
ولا شك أن هذا كلام فاسد ، وأخذه – بتحكم- من حديث ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) لا يكفي بل يجب أن تضم جميع الأدلة مع بعض .
وقوله ( حب الإنسانية ) كلام باطل . ولا ينفي نفع الناس بالعموم والإحسان لهم لكن تقرير أن العقيدة هي حب المسلم والكافر .. هذا باطل .
ويقول الكاتب : إن الله لا يعاقب من الكفار إلا أولئك المعاندين
وهذا كلام في العقيدة لا يجوز التجرؤ على الكلام به إلا عن علم وليس أهواء .
  كم من الضلال ينشر للأمة في دينها وعلى أعلى منابرنا الصحفية ، و والله لن يقف هذا الضلال إلا بقرار سلطاني حاسم و محاسبة ، الآن لا نستطيع إقامة دعوى على هؤلاء ولديهم حصانة في الاستدعاء إلى القضاء الشرعي وهذا ما جعلهم يتجرؤون على نشر الضلال في صحفنا ، والله المستعان  
نص المقال :
من علمكم قتل الناس على آرائهم
هذه العبارة قالها الإمام علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ في معرض ردّه على الخوارج، ليبين لهم ويعلّمهم مسألة حرية الآراء، وأنه لا يجوز القتل على الرأي، فقالوا له: "نحن لا نؤمن بما تقول ولا نصلي خلفك"، فردّ عليهم بقوله رضي الله عنه: "لكم كل ذلك، ولكم أكثر من ذلك... بيني وبينكم قتل الناس وظلمهم"، أي أن لكم حق الاعتراض وحق إبداء الرأي ولكن بشرط عدم ظلم الآخرين وقتلهم باسم الإسلام
هذا هو مبدأ الصحابة والخلفاء في مسألة "التكفير"، وهذا هو النهج الذي سار عليه كثير من علماء المسلمين في مجمل آرائهم ونظرياتهم، وليس هذا فحسب، بل وفي تعامل المسلمين مع غيرهم من أتباع الديانات الأخرى
فالإسلام يضمن حرية الرأي وحرية المعتقد والدين ما لم يقترن مع هذه الحرية ظلم أو جور واعتداء على الآخرين، ونجد ذلك في كثير من آيات القرآن الكريم وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
إن الإسلام أقرّ مبدأ حرية الاعتقاد، وحساب الناس على معتقداتهم يكون في الآخرة، والله سبحانه هو حسيبهم يوم القيامة، وهنا أورد رأياً لأحد علماء المسلمين وهو (الجاحظ) والذي يقول فيه إن الله لا يعاقب من الكفار إلا أولئك المعاندين الذين يدركون الحق ولا يؤمنون به حرصاً على جاه أو رئاسة دينية أو نحو ذلك من الأسباب، وذلك لأن "الكافر الأمي أو الجاهل الذي يعيش في قرية منعزلة لا يعرف من العقائد غير العقيدة التي نشأ عليها، وهو إذًا لا يستطيع أن يفكر إلا في نطاق تلك العقيدة". 
وهذه النظرية التي جاء بها الجاحظ، نجد لها آثاراً في كثير من آراء فقهاء المسلمين والتي تكاد تشكّل قاعدة فقهية تتمثل في أن "الجاهل لا يكفّر" حتى وإن قام بأعمال تتنافى مع الشريعة، أو أنكر ضرورة من ضروريات الدين
ومما سبق، نلاحظ أن مفهوم الكفر ومسألة (التكفير) ليست بالأمر السهل، فإذا كان إطلاقه على غير المسلمين فيه نظر كما رأينا في نظرية الجاحظ آنفاً والذي أيده فيها كبار فقهاء المسلمين آنذاك مثل (أبوحامد الغزالي)، فما بالك بمن يطلق هذا الأمر على أبناء المسلمين أنفسهم
إن ظاهرة التكفير ليست قاصرة على مجتمع أو دين أو عصر معين، فكم من عالم أو مفكر قتل بتهمة الهرطقة أو الزندقة بسبب نظرياته العلمية وأفكاره على مر العصور، وكم من حروب قامت بسبب ذلك، منها على سبيل المثال محاكم التفتيش والمحاكم الكنسية والحروب الصليبية
وللأسف الشديد فإن داء التكفير انتقل إلى المسلمين أيضاً منذ صدر الإسلام، فقد قتل الصحابي عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، بسبب هذا الفكر المتشدد والمتطرف، وقتل وحورب كثير من علماء المسلمين
واليوم نجد بعضاً من أبناء المسلمين قد ابتلي بهذا الداء، وأصبح البعض أسيراً لأفكار بعض الجماعات الإرهابية، والتي تستغل الدين أبشع استغلال في القيام بعمليات القتل والإفساد في الأرض، وذلك من خلال التفسير والتأويل الخاطئ لآيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، والتي تخدم أهواءهم وأهدافهم المنحرفة، وأمر التكفير لم يعد قاصراً فقط على هذه الجماعات، بل امتد أيضاً إلى بعض فقهاء المسلمين، وفي بعض فتاواهم غير مدركين خطورة ما يفتون به في مثل هذه المسائل والتي تطال عقائد الآخرين
ولتوضيح خطورة التكفير وآثارها السلبية على الناس، لنأخذ على سبيل المثال مسألة (ترك الصلاة)، وذلك لأن هذه المسألة قد تكون أكثر وضوحاً من غيرها، ورغم ذلك يشوبها التعقيد، والتي يصعب من خلالها تكفير تارك الصلاة حتى وإن ثبت ذلك
فمن المعلوم أن المسلمين اختلفوا اختلافاً شديداً حول كفر تارك الصلاة، فمنهم من قال إذا تركها كسلاً لا عمداً وأقر بوجوبها فلا يكفر، لأنه يقر بضروريات الدين، وهناك من قال إنه يكفر سواء تركها عمداً أو كسلاً، وهناك من قال إن تارك الصلاة لا تناله عقوبة دنيوية ولا يطبق عليه حدة الردة ما لم يجاهر بذلك، وهناك من فصّل في عملية عذاب تارك الصلاة في الآخرة
ورغم هذا الاختلاف لنفترض جدلاً أن شخصاً أنكر الصلاة وجاهر بذلك، يا ترى هل نستطيع أن نحكم على هذا الشخص بالكفر؟ وبالتالي جواز قتله؟ وهل يحق للأفراد العاديين القيام بذلك؟ ألا يفضي ذلك إلى الفوضى وإثارة الاضطراب والخلل في مفاصل المجتمع الإسلامي؟ ماذا لو كان منكر الصلاة يعاني من مرض نفسي..أليس في قتله ظلم له؟ وماذا عن القضاء والقانون في الدولة؟ وماذا في النهاية عن حرية الاعتقاد وأن تاركها وقع في شبهة جهلاً منه؟ أليس هذا الأمر يدخلنا في تفاصيل أكثر تعقيداً؟ 
كل هذه الأسئلة تثار حول مسألة قد تكون واضحة للجميع، فما بالنا في المسائل والقضايا الأكثر تعقيداً وأكثر غموضاً، وخاصةً القضايا الفكرية والعلمية التي يكثر فيها الجدال وتحتمل أكثر من رأي ونظرية
ورد في الحديث النبوي الشريف: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"، ويفهم من هذا الحديث أن الإنسان الذي سلم الناس من لسانه ويده وعاش الحب لله ثم الإنسانية، وسعى في مساعدة الفقراء والمساكين ونصرة المظلومين فهو مسلم في الحقيقة، وغير المسلم في واقعه الذي يتعرض للناس بالأذى والعدوان بيده ولسانه وإن جرت عليه أحكام الإسلام المذكورة في كتب الفقهاء، فالإسلام في حقيقته هو الدين الذي يحيي في واقع الإنسان دوافع الخير والإنسانية وحب الناس والدفاع عن المظلومين مع التوجه إلى الله عزّ وجل بالعبادة والمناجاة.


التسميات: ,

السبت، 23 أبريل 2016

تأليب النصارى على المسلمين

 نشر في صحيفة الرياض بتاريخ 7 صفر 1437 مقال ملئ بتأليب النصارى على المسلمين ، وتصوير النصارى طيبين وتصوير ما يصدر من بعض المسلمين وكأنه كابوس من أصل أصولهم .

التفاصيل :

بعذر وذريعة الإرهاب الذي يسميه (أصوليا إسلاميا) ، فإن الكاتب

·        يحذر دول النصارى بأن تلك الأصولية تمتد وتعبر الحدود ، وتصل إلى مواطنيهم ..

·        يصف الكاتب ما يسميه بالخطاب الأصولي بالحانق وبتأثيره على الغرب

·        يحذر الكاتب الغرب النصراني مما يسميه أصوليات الصحوة الإسلامية

·        يؤلب الكاتب دول الغرب قائلا : إنها مهما حاولت السلامة فإن الوعي الأصولي – الإسلامي- سيدينها

·        يسمي الكاتب حرب الدولة النصرانية الفرنسية على المسلمين في مالي بأنها حرب على الإرهاب

·        يوجه الكاتب دول النصارى بأنها لا منجى لها إلا أن تتصارع مع الإرهاب – الإسلامي – قوة وفكرا

·        إضافة إلى الكلمات التي تضمنها المقال مثل وصفه الغرب بـ( المتحضر )

  الغلو والإفراط والعدوان لا يرضاه المسلمون ، لكن تأليب النصارى على المسلمين مصيبة

  

  

نص المقالة
جريدة الرياض  العدد: 17314
 

 يظن العالم الغربي المتحضر أنه بتجاوزه لتاريخه الخاص المتخم بالصراعات العقائدية والمذهبية، وبقدرته الفائقة على تحجيم الأصوليات الدينية، والقومية، واليمينيات المتطرفة، النابتة – نشازا - في تربته بين الحين والآخر، قد أصبح بمنأى عن مخرجات التطرف والإرهاب والصراعات الدينية المشتعلة في كثير من دول العالم الثالث، هذا العالم الذي يبدو أنه لا يزال يعيش قرونه الوسطى، مختنقا برؤيتها اللاعقلانية في تصوره للعالم ولذاته ولحركة التاريخ.
لا يكفي أن تطمئن إلى توفر الأمن والاستقرار والرخاء في بيتك؛ ما دامت البيوت المتاخمة لبيتك تعج بالجريمة والفقر والغضب المجنون.
وإذا كان العالم أصبح قرية واحدة كما يُقال؛ فلا يمكن أن تكون بعض بيوت القرية بمعزل عما يجري في بعضها الآخر؛ مهما أقامت من عوازل وموانع، خاصة إذا ما كان ثمة وشائج متنوعة عقائدية/عاطفية تربط بين بعض قاطني هذه البيوت، فضلا عن توفر (وسائط) و(وسائل) التواصل التي يستحيل التحكم بها، والتي تجعل من (وهم الانعزال) وَهْماً في حكم المعدوم.
منذ أكثر من ثلاثين عاما، والعالم الإسلامي يعيش لحظة ازدهار الأصوليات التي صعدت إلى منصة الأحداث بوصفها الصحوة الإسلامية الواعدة بمجد الأمة. ظهرت (الجماعة الإسلامية)، و(الجهاد)، و(حركة جهيمان)، و(الثورة الخمينية)..إلخ، كنتاج لحراك أصولي سابق يمتد – في بعض مساراته – إلى ما قبل منتصف القرن العشرين. وقد شاءت الظروف المصاحبة لصعود هذه الحركات (كالجهاد الأفغاني، والمقاومة اللبنانية والفلسطينية المتأسلمة، وأزمة الجزائر..إلخ) أن تزيد من زخم الفعالية الفكرية والحرية لهذه الأصوليات، وأن ترفع من مستوى قدرتها على التأثير في الوعي العام للجماهير.
لقد أصبح الوعي الأصولي ينتظم الخطاب الجماهيري بشكل مباشر أو غير مباشر. أصبحت مقولاته الأممية/ النضالية هي (موضة) العصر أواخر القرن العشرين. وقد عزز الإعلام الفضائي المفتوح من قدرة هذا الخطاب على الاختراق، خاصة وأن بعض القنوات الإعلامية الكبرى جعلت منه وسيلتها إلى الجماهيرية المنشودة، مستلهمة زمن الإعلامي القومي الغوغائي، الذي طالما كان يتحكم في وعي الملايين البائسة، بعد أن يُخدّرها بالوعود الطوباوية الكاذبة، التي لم تفق منها إلا على الهزائم الساحقة الماحقة التي أكلت الأخضر واليابس، والتي لا تزال تَردّداتها تلتهم الحاضر والمستقبل.
بلغ الازدهار الأصولي قمة مجده في الأشهر القليلة التي تلت أحداث 11 سبتمبر. آنذاك، كان الخطاب الأصولي يدعم وعود النصر السابقة بحدث نوعي يصدم العالم المتحضر/ العالم الخصم/ باستهداف رموز القوة فيه.
لقد كانت هذه الأحداث النوعية بمثابة (إعلان غير مباشر) عن قيام الدولة الإسلامية (دولة الخلافة/ أمير المؤمنين: الملا عمر) التي طالما كانت أحلاما تسطرها الأقلام بدماء القلوب الموجعة بإذلال تاريخي طويل.
إن أحداث 11 سبتمبر كانت بمثابة تقديم دولة الملا عمر (طالبان) للجماهير الحالمة في العالم الإسلامي؛ مدعومة بشهادة نصر تاريخي يتوهم أنه يتحدى العالم كله بعناده وعنفه، فيتوهج أكثر فأكثر كلما بدا بوصفه (انتصارا - انتقاما) في سياق استسلام عام.
لكن، سرعان ما بدأ العد التنازلي للأصولية من حيث توهمت أن بداية انتصاراتها الواعدة. فبعد أشهر قليلة من الابتهاج بأوهام النصر، كانت الضربة التي وجهتها الأصولية للغرب (11 سبتمبر) تبدو وكأنها شهادة وفاة للدولة التي تقدمت بالحدث ذاته كشهادة ميلاد. بسرعة مذهلة - قياسا ببطء فهم الغباء الأصولي - تحوّل حدث الانتصار إلى دمار كامل للدولة الحاضنة للحلم الأصولي، الحلم الذي بدا وكأنه تبخّر فجأة مع الضربات الأولى الموجهة لطالبان.
بهذا ارتسمت معالم هزيمة حقيقية تقف على وَهْم نصر. لم يبق ثمة مساحة للحلم في المدى المنظور. ولهذا تفجر الإرهاب الموجه إلى داخل الدولة الإسلامية (السعودية، مصر، تونس، المغرب) كتعبير يائس عن الإحباط، خاصة بعد أن بدأت عملية تحرير العراق من صدام ومن نظام صدام بتحالف دولي تتزعمه دول الغرب/ الخصماء التاريخيون.
وقد كان شعور بالإحباط يتعزّز مع كل حركة إرهابية فاشلة، وكان الإحباط المتراكم يقود إلى مزيد من العمليات اليائسة التي لا تجد مجالا لها إلا بين المدنيين. ما يعني مزيدا من النفور الجماهيري، هذا النفور الذي سيقف دون تمدد هذا الخطاب، ومن ثم سيورث مزيدا من الإحباط، وهكذا دواليك.
في هذا الزمن المحبط للأصوليين حركيا، كان منظّرو هذا الخطاب يوغلون في مزيد من التنظير المغالي، الذي يزداد غلوا؛ بقدر ما تواجهه الأصولية من هزائم على أرض الواقع. لكن، لا ريب أن خطابهم التنظيري كان يجد له مجالا عند الجيل الجديد الذي لم يعش – بكامل وعيه - عنفوان (هزيمة النصر!) في 11 سبتمبر، وبالتالي، لم يدرك أن الوعد الأصولي أصبح خطابا مكرورا، يأخذ دورته الطبيعية في الحياة؛ لينتهي في كل مرة كما بدأ، فلا تتوقف عجلة هذا الدور إلا بفعل التشارط الظرفي الذي يسمح بشيء من التمدد أو التمكين الجزئي، والذي يتم طرحه على أنه من بشائر النصر الموعود.
جاءت الفوضى الأمنية والاجتماعية التي أعقبت الحراك الغاضب في دول (الربيع العربي)، لتخلق فضاء متميزا لدورة جديدة تستقطب أشتات الحلم الأصولي. وإذ انفتح الفضاء السوري المشتعل بثورة مبعثرة على الفضاء العراقي المعتل أمنيا واجتماعيا وسياسيا منذ عشر سنوات؛ فقد بدأت تتشكل عناصر أصولية مسلحة، تتفاعل – جدليا - مع النظرية الأصولية، التي باتت تتطور إيغالا في تشريع العنف؛ لتصل – تنظيرا وممارسة - إلى إحراق البشر وهم أحياء.
تطورت الأصولية وازدهرت في هذا الفضاء الفوضوي العراقي - السوري؛ لتصل إلى تكوين دولة الإرهاب (= داعش) على مساحات جغرافية شاسعة من الأراضي السورية والعراقية، مستمدة عناصرها البشرية من كل أنحاء العالم بلا استثناء، حتى وإن كان مخزونها البشري يتغذى من دول المشرق العربي بالذات.
كان من الواضح في ظل هذا التمدد الأصولي الإرهابي أننا نعيش مرحلة خطيرة من تاريخ علاقتنا بالإرهاب، بل ومن تاريخ علاقة العالم مع الإرهاب. لكن، للأسف، لم تكن الاستجابة العالمية لمواجهة هذا الخطر الداهم تتناسب مع مستوى الخطر. ففي حين كان يستلزم الأمر تدخلا عسكريا كبيرا وشاملا على أكثر من صعيد، لم يتقدم هذا العالم بأكثر من ضربات خجولة، أتت بعد تردد طويل، وكأنها لا تهدف إلى القضاء على هذا الخطر، بقدر ما تهدف إلى رفع الحرج، بعد أن بات السكوت المريب يثير كثيرا من علامات الاستفهام.
لقد كان العالم الغربي ينظر إلى تمدد القوى الأصولية المتطرفة وهو يأمل أن يأكل بعضها بعضا، أو أن تقوم دول المنطقة بعمل استثنائي للقضاء عليها، بينما يبقى هو على مدرج الحدث يتفرج من بعيد.
توهم هذا العالم أن بإمكانه النجاة من إرهاب متوحش يقع خارج مجاله الحيوي. وباختصار: كان هذا العالم مكتفيا بتحصين ذاته بالإجراءات الأمنية المشددة، متوهما أن بُعده عن الأحداث، وتجنبه للدخول في صراع مباشر مع دولة الإرهاب، سيجنبانه غضب الأصوليين.
يتجاهل العالم الغربي أن السرديات الأصولية المتأسلمة لا تعترف بالحدود الإقليمية، فهي – على تنوعها، المتضاد أحيانا – تتبنى رؤى أممية عابرة للحدود. وبالتالي، فتأثير الخطاب الأصولي – كنصوص وكوقائع/ كمشاهد – يمتد إلى كثير من مواطني الغرب من المسلمين. ما يعني الخطاب الأصولي الحانق النابع من توترات وصراعات الشرق الأوسط، سيكون خطابا موجها إلى المسلم الفرنسي والمسلم الألماني والمسلم البريطاني..إلخ؛ بذات الدرجة التي يكون فيها موجها إلى المسلم العراقي والمسلم السوري المسلم السعودي والمسلم المصري والمسلم التونسي..إلخ، وسيتفاعل المسلم هنا وهناك بنفس الدرجة، بل ربما تعزز فضاءات الحرية المتاحة في الغرب من إمكانات التأثير السلبي أكثر مما هي عليه الحال في الشرق، وأيضا سيكون لحالة الاغتراب دور في رفع مستوى التأثير.
وكما يتعولم الإرهاب على مستوى الخطاب؛ يتعولم أيضا على مستوى الوقائع. فالوقائع والأحداث تتقاطع وتتشابك على عدة مستويات، ولا يمكن فصل الأحداث عن دوافعها وعن تأثيراتها وارتداداتها المباشرة وغير المباشرة. فالحرب على الإرهاب في مالي مثلا، لن يستطيع الفرنسيون إقناع الأصوليين بأنها معزولة عن قواعدهم الأصولية في العراق مثلا. وما يحدث للأصولية في ليبيا بتدخل من هذه الدولة الغربية أو تلك، هو بالضرورة – في الوعي الأصولي – مرتبط بما يحدث في مصر أو تونس. وهكذا، ستجد الدول الغربية نفسها مدانة في سياق الوعي الأصولي الأممي؛ مهما حاولت الاعتزال وتجنب الصراع المباشر؛ إيثارا للسلامة. وبالتالي، ستجد نفسها هدفا محتملا على الدوام، وسيضربها الإرهاب في الوقت الذي تظن فيه أنها أبعد ما تكون عن الصراع مع الإرهاب.
إذن، لا منجى لدول الغرب من الإرهاب إلا بالدخول في صراع مباشر وشامل مع الإرهاب. بل لا منجى إلا بجعل الحرب الشاملة على الإرهاب أولوية الأولويات. لا بد من محاصرة الإرهابيين حراكا وفكرا، بدل منحهم فرصة الاستفادة من فضاءات الحرية في الغرب.
الأمن ليس ترفا فنُخضعه للمقامرة؛ لمجرد أن نتسلى بجنون الإرهابيين. الأمن ليس هبة مجانية تجود بها الحياة بشكل طبيعي، بل هو إنجاز مضاف، لا يتحقق إلا بهرم من التضحيات الجِسام على مستوى العنصر المادي وعلى مستوى العنصر الإنساني.
الحرب على الإرهاب مهمة الجميع، ويجب أن تكون مهمة الجميع. ونحن إذ نتضامن مع فرنسا في هذه الأحداث الأليمة، فإنما نفعل ذلك كتضامن أولي، من أجل الإسهام - ولو رمزيا – في الحرب الشاملة ضد الإرهاب.
التضامن هنا لن يغير ما حدث، ولكنه سيغير ما يمكن أن يحدث. أنت قد لا تصنع شيئا بتضامنك مع بلد يبعد عنك آلاف الأميال، ولكنك تصنع حالة وعي عام بالإنسان في بيئتك/ في محيطك الحيوي، وهذا يسهم في درء خطر الإرهاب ولو بدرجة ما؛ لأن الشعور بالحزن، والتفاعل الإيجابي مع هذا الحزن، ومن ثم التفكير بهذا الحزن، يخلق مناعة ضد فيروس التوحش الإرهابي. وهذا هو أشد ما نحتاجه في هذا الوقت الذي ينتشر فيه وباء الإرهاب

رابط المقالة :



التسميات: ,

صحيفة الوطن تهاجم الإسلام وتشيد بالنصرانية

 بسم الله الرحمن الرحيم


في صحيفة الوطن لمز وهمز وتصغير لديننا الإسلامي الحنيف ، ومدح وإشادة بالنصرانية الكافرة ، أليس هذا كفرا ؟

هذه صحيفة الوطن نشرت بتاريخ 16 رجب 1437 مقالا بعنوان ( البابا واللاجئون أي الأديان أكثر إنسانية )

·      يتساءل الكاتب في العنوان : أي الأديان أكثر إنسانية ؟ من محتوى مقاله : أن النصرانية أكثر إنسانية من الإسلام !

·      يقول الكاتب : لا تخطئ العين إظهار البابا التعاطف مع جموع مشردة من وطنها .

·      ويقول : إن ما صنعه البابا درس عالي المستوى في الإنسانية .

·      ويقول : يستحق الهتاف بالشكر والتقدير .

·      ويقول : كان الحدث كثيفاً في دلالته على الإنساني.

·      ويقول : كان صنيع البابا فعلاً أخلاقياً سامياً .

·      ثم بعد الإشادة والتمجيد لبابا النصرانية ، قام الكاتب بالتصغير من شأن الإسلام واتهامه فقال : عندي تساؤل نقدي عن مقدار تعاطف الإسلام مع الآخرين .

·      وأيضا بعد ما سلف من إشادة الكاتب بالبابا .. قال : إن البابا يزكي المسيحية بفعله ذلك وهذا يقتضي اللوم لإنسانية الخطابات الدينية الأخرى – طبعا نص عليها الكاتب قبل قليل إنه يقصد الإسلام –

·      ثم قال الكاتب : إن البابا السابق كان صريحا لما وصف الإسلام بالعنف !!

يعني الكاتب يشكر هذا الذي وصف الإسلام بالعنف ويشيد به و أن هذه هي الصراحة .

·      ثم قال الكاتب : وكان البابا السابق صريحا لما وصف المسيحية بالحب والتسامح !!

·      ثم قال الكاتب : إن هناك قناعة راسخة بذلك – وهي وصف الإسلام بالعنف – والدليل ما نراه من التصورات الأيدولوجية للجماعات الإصولية .

·      لم يذكر الكاتب حرفا واحدا إشادة بالإسلام وأنه دين رحمة .


 نص المقال : 
البابا واللاجئون أي الأديان أكثر إنسانية

علامتان بارزتان لا تخطئهما العين في زيارة بابا الفاتيكان فرانسيس الأول لمخيم اللاجئين السوريين في جزيرة ليسبوس اليونانية: أولاهما، إظهار البابا التعاطف الإنساني مع جموع مشردة من وطنها، منذورة لأقسى درجات البؤس والضياع، ومستجدية لضمير العالم ورحمته. والأخرى، أنه تعاطف من موقع آخرية بأكثر دلالات الآخرية تفاصلاً بين البشر. وتكتسب هاتان العلامتان خصوصيتهما من اجتماع فعل التعاطف وصفة الآخرية في علاقة مع "الديني" هذه المرة ممثَّلاً في رمزية البابا، وليس مع المدني والسياسي
الديني، تحديداً، هو الدرجة القصوى للتمفصل مع الآخر، والتخندق ضده؛ وذلك لأن كل خطاب ديني يبني علاقته مع الحقيقة من موقع التملك المطلق والمعمم لها؛ فلا يبقى للآخر – من الموقع الديني للآخرية- إلا الإقصاء والتكفير والاحتقار والحرب... إلخولا يُتصوَّر الآخر من هذا الموقع نفسه، إلا بصورة الغازي والشرير والمريب والنجس.. أو هو شكل يجري العمل على تحويل محتواه الإيماني، وكسب عقيدته؛ فآخريته الدينية تهديد مستمر للحقيقة الدينية التي يبنيها الخطاب لدى أتباعه. ولهذا يمكن قياس موقف النبذ للآخر في مقدار صلابته وجذريته وعنفه في أي مجتمع بمقدار تسلط الخطاب الديني عليه. ويمكن - بالحسبان نفسه- النظر إلى المساعدات الإنسانية والتعاطف مع البؤساء والمظلومين والمشردين؛ فلا تستطيع المؤسسات الدينية القيام بشيء من ذلك على نحو محايد تماماً
هذا يعني –إذن- أن ما صنعه البابا تجاه اللاجئين السوريين، دلالة جديرة بالتأمل سواء في معانيها المباشرة، أو في معانيها الضمنية. إنها درس عالي المستوى في الإنسانية، ولا أظن أحداً يثمِّن العمل الإنساني، وينفعل بالتمجيد لصانعيه، لا يهتف بالشكر ويستشعر التقدير لكل من يعمل في سبيله كائناً من كان. وهو عمل يكتسب، في حالة البابا هنا، خصوصية، بوصفه استثناء من منظور العمل الخيري غير المحايد في المنظمات والمؤسسات الدينية، ومن التعاطف مع محنة الآخر الذي تقوم القطيعة معه من الموقف الديني الأصولي مقام القاعدة المنتظمة. ولقد كان الحدث كثيفاً في دلالته على الإنساني وترميزه، سواء في صور البابا وهو يقف مصغياً أمام النساء وأطفالهن، أو في حديثه إليهم وإلى العالم عن الضمير الإنساني المشترك، أو في اصطحابه ثلاث عائلات سورية مسلمة
لكن صنيع البابا يكتسب، بوصفه فعلاً أخلاقياً سامياً، ومن موقعه بوصفه رأس الكنيسة الكاثوليكية، دلالة مسيحية أكثر منها دلالة على شخص البابا. وهذا معنى ضمني لفعله، يدفع إلى تساؤل نقدي عن موقف الخطابات الدينية الأخرى بما فيها الإسلام: ما مقدار تعاطفها مع الآخر من موقعها الديني؟!. إن البابا يزكي المسيحية بفعله هذا، ولن يتحرر معنى التزكية لإنسانية المسيحية إلا باقتضاء اللوم والانتقاص لإنسانية الخطابات الدينية الأخرى. وكان سلفه البابا بنديكتوس السادس عشر صريحاً في التعبير عن هذا المعنى في محاضرته الشهيرة بجامعة ريجينسبورج الألمانية (12/ 9/ 2006م) حين وصف الإسلام بالعنف، ووصف المسيحية بالعقل والحب والتسامحوالجماعات الأصولية والإرهابية المنتسبة إلى الإسلام تقدم البرهان على هذه التصورات الإيديولوجية، وترسخ القناعة بها
اللوم أو الانتقاص من الخطاب المسيحي للدين الإسلامي أو لغيره من الأديان يحيل بالقدر نفسه على تاريخ الكنيسة في جرائم حروبها الدينية، ومساندتها للتجبر الاستعماري، بما في ذلك المذابح ضد السكان الأصليين لأميركا، ومحاربتها للعلم ووقوفها ضد العقل حتى لقد حرمت قديماً كتب الفقيه والفيلسوف المسلم ابن رشد. ولذلك فإن عمل البابا المشكور تجاه اللاجئين السوريين، لا يمكن إحالته إلى موقف الخطاب الديني المسيحي، بل إلى خطاب التنوير الفلسفي الإنساني الذي نشأت عنه مفاهيم الدولة المدنية وحقوق الإنسان، وهي مفاهيم وحقوق تنسجم -بالبداهة- مع الدين في تراميه إلى الرحمة والعدالة المطلقة بين الناس. وإذا كانت الكنيسة المسيحية أجرمت فسيظل الإجرام باسم الدين -أي دين- كلما تمكنت جماعة من سياسة الناس وحكمهم بصفة كهنوتية.

رابط المقال من موقع الصحيفة
http://alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleId=30358


التسميات: ,

الخميس، 21 أبريل 2016

من منابرنا الصحفية يهاجمون الدعوة السلفية التي قامت عليها البلاد


بسم الله الرحمن الرحيم
يوجد اليوم مناكفة ومضادة لأئمة الهدى ومصابيح الدجى ، وهذه المناكفة والمضادة على صحفنا السيارة !!!
نشرت صحيفة الجزيرة بتاريخ 13 رجب 1437 مقالا بعنوان ( بدون فلسفة ولا فنون لا حضارة ولا مدنية ) للكاتب جاسر الحربش
هذه الصحيفة وهذا الكاتب يُعَرّض بالمدرسة السلفية التي جددها الشيخ محمد بن عبد الوهاب ولا زلنا نستضئ منها
يقول عن المدرسة السلفية :
( تصر على إنكار ما أصبح متحققاً وثابتاً بالحقائق المبرهنة بالتطبيق العملي، متحججة بعدم تطابقها مع فهمها الخاص المتوارث للنصوص )
ويقول : إنها تكرس التجهيل والبلبلة في العقول والمناهج الدراسية العلمية وتعطل الإنجازات الفكرية .
ويقول : إنها تحارب وتبَدّع الفنون الجمالية بمختلف أنواعها و تنفيه من الحياة العامة؟
ويقول : إنها ترسخ القابلية للاستعباد والاستعمار والتبعية !!!
وقام الكاتب بالإشادة والمطالبة بالفلسفة والمنطق !! مناكفا بذلك علماءنا وأئمتنا .
 انتقد الكاتب أبا حامد الغزالي لبيانه انحراف الفلسفة ، و أشاد بابن رشد الفيلسوف .
  .. بالله كيف يسمح بهذا الضلال ؟ وأمام عامة المسلمين ، هذا والله مؤشر ينبئ بخطر عظيم حيث الجرأة على الشريعة والأئمة والدعوة السلفية ، هذه الدعوة التى تُرمَى عن قوس واحدة من كل حدب وصوب ، ومع ذلك فيقوم من بني جلدتنا وعلى منابرنا و على الملأ من يضلل دون محاسبة ولا خوف مساءلة . والله المستعان ، وبالمناسبة فهذه الكلام وغيره كثير هو توطئة وتمهيد وزرع لعقول تكثر وتنتشر بيننا متنكرة لمبادئنا وضاربة عرض الحائط بفهم سلفنا و المبادئ التي قامت عليه دولتنا ، فالله المستعان .


نص المقال :
ما هي الحضارة والمدنية؟ هي أن يكون لك حضور قوي مادي وروحي بين الأمم لتخشاك وتحترمك. ما الذي يبقى للعقل المبدع من ذاته الناقد لذاته المفكر فيما حوله، إذا منع من البحث العميق عن جوهر الأشياء واختبار صدق المسلمات (الفلسفة)، ومنع من التعبير المنغم عن مكامن الروح (الفنون)؟. لايبقى سوى الانسياق في السياق والبقاء في نفس الزمان والمكان والاستسلام للكوارث الطبيعية دون مقاومة ولغلبة عقول الأمم الأخرى.

لأسباب لا علاقة لها بما يحلله ويحرمه الإسلام بنص قاطع وصريح حصل قبل ألف سنة تكفير وزندقة المنطق البرهاني والفلسفة وعلوم الطبيعة وخصائص المواد الكيميائية وتسفيه من يشتغل بها. كان ذلك في القرن الخامس الهجري، وقبل ذلك لم تكن تلك العلوم والاشتغال عليها من المحرمات المبدعات المفسقات.كان أشهر من سفه الفلسفة والاشتغال بالرياضيات وعلوم الطبيعة وخصائص المواد الفقيه الشافعي أبو حامد الغزالي، وكان ابن رشد أشهر من اشتغل بالفلسفة والطب والفلك ونقل الفلسفة من مفهوم علم الكلام، (التلاعب بالكلام لدحض الرأي المخالف) إلى مفهوم استنطاق الفكر البرهاني لزيادة المعرفة والبحث عن الحقائق بعرض المسلمات للتمحيص، وكلاهما عاش في نفس الفترة التاريخية. ابن رشد كان يعتبر الحكمة (الفلسفة) من دعائم الإيمان والغزالي اعتبرها من مقوضاته.

الفقيه أبو حامد الغزالي طبع الشرق والعالم الإسلامي بمرئياته في تعريف العلوم النافعة والضارة وحدود التفكير المسموح والمكروه والمحرم، والطبيب ابن رشد طبع الغرب الغارق آنذاك في الظلام ثم استيقظ بمرئياته في وجوب الاتصال بين الشريعة والحكمة والعقل (الفكر الفلسفي العلمي) مقرراً أن الشريعة والحكمة مكملان لبعضهما لا متعارضان. أبو حامد الغزالي حظي بالقبول السياسي والديني في حيزه الجغرافي، أما ابن رشد فقتلته السلطة السياسية بتحريض من المؤسسة الدينية وأحرقت جميع مؤلفاته. نتائج اصطفاء فكرالأول وتحريم فكر الثاني هو ما نراه ونعيشه من فوارق القوة والمنعة وليس ما نسمعه ونصدقه.

من عجائب البصائر والمصائر أن ذلك الجزء من العالم الذي انطبع بالغزالية ما زال متشبثاً بها وبما ينتج عنها من نقص في المعرفة والمناعة والحقوق، رغم أنه يعتمد بما يشبه الكلية في إنتاج طعامه وشرابه ولباسه وطبه ومواصلاته ووسائل دفاعه عن النفس على ما ينتجه ذلك الجزء من العالم الذي انطبع بالرشدية، ولله في خلقه شؤون. المسكوت عنه في العالم الذي اختار الغزالية أو اختيرت له هو أن مرئيات أبي حامد الغزالي في ماهيات العلوم والمعارف والعبادات المستحبة والمفضلة تكرس الرضى والانصياع، بدون الحاجة إلى مجهود فكري علمي لتخفيف الواقع المزعج أو صده. من هذا الرضى والقبول لتعطيل الفكر النقدي القادر على التعديل والتبديل ترسخت القابلية للاستعباد والاستعمار والتبعية المادية لمخرجات العقول الرشدية.

بعد كل هذه السنين، وهي قرابة ألف عام أصبح لا مناص للمسلمين من طرح تساؤلات تبحث عن أجوبة مقنعة:

أولاً: هل يوجد نص إسلامي قطعي بكفاية الاجتهاد في العلوم الشرعية والبناء عليها بما يكفي لتبرير اعتمادها كمرجعية دفاعية مادية وعقدية، بما في ذلك الدفاع عن أوضاع المسلمين المعيشية والعسكرية وحمايتهم من تعديات بعضهم على بعض وتعديات الآخرين عليهم؟.

ثانياً: عندما تصر أي مدرسة فقهية على إنكار ما أصبح متحققاً وثابتاً بالحقائق المبرهنة بالتطبيق العملي، متحججة بعدم تطابقها مع فهمها الخاص المتوارث للنصوص، لماذا عندئذ يستمر قبول فهمها ويقدم رأيها على الحقائق المثبتة بالعلم المعياري القياسي والتطبيقي؟. لماذا يستمر الصمت على ما تكرسه من تجهيل وبلبلة في العقول والمناهج الدراسية العلمية وتعطيل للإنجازات الفكرية؟.

ثالثاً: إلى متى يستمر إنكار الارتباط بين القابلية للبرمجة على العنف والإقصاء والجفاف العاطفي وبين محاربة وتبديع الفنون الجمالية بمختلف أنواعها ونفيها من الحياة العامة؟.

رابعاً وأخيرا: متى ندرك بأن الاستغناء عن الفلسفة والفنون يعني الجفاف الحضاري والمدني والتقزم المادي والمعنوي أمام الأمم الأخرى؟.


التسميات: ,